كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 12)

{وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} وَالِاخْتِلَافُ فِي تَنْزِيلِهِ أَعْظَمُ وَهُوَ الَّذِي قَصَدْنَا هُنَا فَنَقُولُ: " الِاخْتِلَافُ فِي تَنْزِيلِهِ " هُوَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ وَالْكَافِرُونَ كَفَرُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ فَالْمُؤْمِنُونَ بِجِنْسِ الْكِتَابِ وَالرُّسُلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ وَالْكَافِرُونَ بِجِنْسِ الْكِتَابِ وَالرُّسُلِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ إلَى النَّاسِ لِتُبَلِّغَهُمْ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إلَيْهِمْ فَمَنْ آمَنَ بِالرُّسُلِ آمَنَ بِمَا بَلَّغُوهُ عَنْ اللَّهِ وَمَنْ كَذَّبَ بِالرُّسُلِ كَذَّبَ بِذَلِكَ. فَالْإِيمَانُ بِكَلَامِ اللَّهِ دَاخِلٌ فِي الْإِيمَانِ بِرِسَالَةِ اللَّهِ إلَى عِبَادِهِ وَالْكُفْرُ بِذَلِكَ هُوَ الْكُفْرُ بِهَذَا فَتَدَبَّرْ هَذَا الْأَصْلَ فَإِنَّهُ فُرْقَانُ هَذَا الِاشْتِبَاهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ يَكْفُرُ بِالرُّسُلِ: تَارَةً يَكْفُرُ بِأَنَّ اللَّهَ لَهُ كَلَامٌ أَنْزَلَهُ عَلَى بَشَرٍ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَكْفُرُ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ: مِثْلُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ} الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ وَهُودٍ: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ} وَقَالَ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} إلَى آخِرِ الْكَلَامِ،

الصفحة 7