كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 13)

أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: هُوَ يَتَفَاضَلُ وَيَتَزَايَدُ وَيُمْسِكُ عَنْ لَفْظِ يَنْقُصُ وَعَنْ مَالِكٍ فِي كَوْنِهِ لَا يَنْقُصُ رِوَايَتَانِ وَالْقُرْآنُ قَدْ نَطَقَ بِالزِّيَادَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَدَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى نَقْصِهِ كَقَوْلِهِ: {لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وَنَحْوِ ذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ هَذَا اللَّفْظُ إلَّا فِي قَوْلِهِ فِي النِّسَاءِ {نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ} وَجَعَلَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا أَنَّهَا إذَا حَاضَتْ لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ يَنْقُصُ. وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ الْإِيمَانَ يَتَفَاضَلُ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ جِهَةِ أَمْرِ الرَّبِّ وَمِنْ جِهَةِ فِعْلِ الْعَبْدِ. أَمَّا " الْأَوَّلُ " فَإِنَّهُ لَيْسَ الْإِيمَانُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ شَخْصٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ الْإِيمَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ كُلُّ شَخْصٍ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِمِقْدَارِ مِنْ الْإِيمَانِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أُمِرُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَأُمِرُوا بِتَرْكِ مَا كَانُوا مَأْمُورِينَ بِهِ كَالْقِبْلَةِ فَكَانَ مِنْ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ الْإِيمَانُ بِوُجُوبِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ صَارَ مِنْ الْإِيمَانِ تَحْرِيمُ اسْتِقْبَالِهِ وَوُجُوبُ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فَقَدْ تَنَوَّعَ الْإِيمَانُ فِي الشَّرِيعَةِ الْوَاحِدَةِ. و " أَيْضًا " فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَالزَّكَاةُ أَوْ الْجِهَادُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ أَنْ يَعْلَمَ مَا أُمِرَ بِهِ وَيُؤْمِنَ بِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ مَا لَا يَجِبُ

الصفحة 51