كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 13)

فَهَذَا يُبَيِّنُ تَفَاضُلَ الْإِيمَانِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِهِ وَفِي نَفْسِ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهَا.
و" النَّوْعُ الثَّانِي " هُوَ تَفَاضُلُ النَّاسِ فِي الْإِتْيَانِ بِهِ مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي الْوَاجِبِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُظَنُّ أَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَكِلَاهُمَا مَحَلُّ النِّزَاعِ. وَهَذَا أَيْضًا يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ فَلَيْسَ إيمَانُ السَّارِقِ وَالزَّانِي وَالشَّارِبِ كَإِيمَانِ غَيْرِهِمْ وَلَا إيمَانُ مَنْ أَدَّى الْوَاجِبَاتِ كَإِيمَانِ مَنْ أَخَلَّ بِبَعْضِهَا كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ دِينُ هَذَا وَبِرُّهُ وَتَقْوَاهُ مِثْلَ دِينِ هَذَا وَبِرِّهِ وَتَقْوَاهُ؛ بَلْ هَذَا أَفْضَلُ دِينًا وَبِرًّا وَتَقْوَى فَهُوَ كَذَلِكَ أَفْضَلُ إيمَانًا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا} وَقَدْ يَجْتَمِعُ فِي الْعَبْدِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ} . وَأَصْلُ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَفَاضَلُ؛ بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ الْعِبَادِ فِيمَا أَوْجَبَهُ الرَّبُّ مِنْ الْإِيمَانِ وَفِيمَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ مِنْ الْأَعْمَالِ فَغَلِطُوا فِي هَذَا وَهَذَا ثُمَّ تَفَرَّقُوا كَمَا تَقَدَّمَ. وَصَارَتْ الْمُرْجِئَةُ عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ " فَعُلَمَاؤُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ أَحْسَنُهُمْ

الصفحة 55