كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 16)

قُلْت: الْقَوْلُ الثَّالِثُ هُوَ فِي مَعْنَى الثَّانِي لَكِنْ جَعَلَ قَوْلَهُ: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى " مَا عَبَدْت " وَالْآخِرَ بِمَعْنَى " مَا أَعْبُدُ " لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ لَهُمْ {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} . فَلَمَّا تَبَرَّأَ مِنْ أَنْ يَعْبُدَ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ مَا يَعْبُدُونَهُ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ كَذَلِكَ بَرَّأَهُمْ مِنْ عِبَادَةِ مَا يَعْبُدُ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ. لَكِنَّ الْعِبَارَةَ عَنْهُمْ وَقَعَتْ بِلَفْظِ الْمَاضِي. قَالَ هَؤُلَاءِ: وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ فِي حَقِّهِ: " مَا عَبَدْت " لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ مَا أَعْبُدُهُ فِي الْمَاضِي هُوَ الَّذِي أَعْبُدُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قُلْت: أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ أَرَادُوا الْمُطَابَقَةَ كَمَا تَقَدَّمَ. لَكِنْ إذَا أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: {مَا عَبَدْتُمْ} مَا أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: {مَا أَعْبُدُ} فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ الْمَاضِي كَانَ التَّقْدِيرُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ: لَا أَنَا عَابِدٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا عَبَدْتُمْ فِي الْمَاضِي. فَيَكُونُ قَدْ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عِبَادَةَ مَا عَبَدُوهُ فِي الْمَاضِي دُونَ مَا يَعْبُدُونَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أَيْ فِي الْمَاضِي فَسَوَاءٌ أُرِيدَ بِمَا يَعْبُدُونَ الْحَالُ أَوْ الِاسْتِقْبَالُ إنَّمَا نَفَى عِبَادَةَ مَا عَبَدُوهُ فِي الْمَاضِي. وَهَذَا أَنْقَصُ لِمَعْنَى الْآيَةِ. وَكَيْفَ يَتَبَرَّأُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ عِبَادَةِ مَا عَبَدُوهُ فِي الْمَاضِي فَقَطْ؟ وَكَذَلِكَ هُمْ؟

الصفحة 548