كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 16)

وَإِنْ قِيلَ: فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَدْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ بِالِانْتِقَالِ عَنْ الْكُفْرِ فَهُوَ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ لَا يَعْبُدُ مَا عَبَدُوهُ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ لِهَؤُلَاءِ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا عَبَدْت فِي الْمَاضِي بَلْ قَدْ يَعْبُدُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إذَا انْتَقَلُوا رَبَّهُ الَّذِي عَبَدَهُ فِيمَا مَضَى. وَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ هَؤُلَاءِ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لَا أَعْبُدُ فِي الْحَالِ مَا تَعْبُدُونَ فِي الْحَالِ وَلَا أَعْبُدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا تَعْبُدُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قِيلَ: وَلَفْظُ الْآيَةِ {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} لَيْسَ لَفْظُهَا " وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا تَعْبُدُونَ ". فَقَوْلُهُ: {مَا عَبَدْتُمْ} إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَاضِي الَّذِي أَرَادَهُ هَؤُلَاءِ فَسَدَ الْمَعْنَى وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ بَطَلَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْمُضَارِعَ بِمَعْنَى الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} فَإِنَّ الْمَاضِيَ هُنَا بِمَعْنَى الْمُضَارِعِ. فَإِذَا كَانَ الْمُضَارِعُ مُطَابِقًا لَهُ بَقِيَ مُضَارِعًا لَمْ يُنْقَلْ إلَى الْمَاضِي فَيَكُونُ عَكْسَ الْمَقْصُودِ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ " مَا " مَصْدَرِيَّةً فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُخْرَى. وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَإِذَا جُعِلَتْ فِي الْجُمَلِ كُلِّهَا مَصْدَرِيَّةً كَانَ أَقْرَبَ إلَى الصَّوَابِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ " مَا " الْمَصْدَرِيَّةُ حَاصِلٌ بِقَوْلِهِ " مَا ". فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ " وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مِنْ أَعْبُدُ " بَلْ قَالَ {مَا أَعْبُدُ} .

الصفحة 549