كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 16)

وَحْدَهُ بِمَا أَمَرَ بِهِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ. وَمَنْ كَانَ كَافِرًا بِمُحَمَّدِ لَا يَكُونُ عَمَلُهُ عِبَادَةً لِلَّهِ قَطُّ. وَتَبْرِئَتُهُمْ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ جَاءَتْ بِلَفْظِ وَاحِدٍ بِجُمْلَةِ اسْمِيَّةٍ تَقْتَضِي بَرَاءَةَ ذَوَاتِهِمْ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ لَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى نَفْيِ الْفِعْلِ. وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَقُولَ فِيهِمْ " وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا عَبَدْت " كَمَا قَالَ فِي نَفْسِهِ {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ مَعْبُودُهُ غَيْرَ اللَّهِ. فَلَوْ قَالَ " وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا عَبَدْت " لَقَالُوا: بَلْ نَحْنُ نَعْبُدُ مَا كُنْت تَعْبُدُ لَمَّا كُنْت مُشْرِكًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ " وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ ". وَلَمْ يَقُلْ " مَا أَنَا عَابِدٌ لَهُ " إذْ نَفْسُهُ قَدْ لَا تَكُونُ عَابِدَةً لَهُ مُطْلَقًا. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَعْبُدَ الْوَاحِدُ مِنْ النَّاسِ غَيْرَ اللَّهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَكُونُ مَنْ لَمْ يَعْبُدْ مَا يَعْبُدُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَذْمُومًا بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يُخَاطِبُ بِهَذِهِ السُّورَةِ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ حِينَ يَقُولُهَا مَا يَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ. فَهُوَ يَقُولُ لِلْكُفَّارِ " وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُهُ الْآنَ ". وَذَكَرَ النَّفْيَ عَنْ الْكُفَّارِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ لِتَقَارُبِ كُلُّ جُمْلَةٍ جُمْلَةً. فَلَمَّا قَالَ {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} فَنَفَى الْفِعْلَ قَالَ {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} .

الصفحة 557