كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 16)

أَبِي رَوْقٍ: عَجَزَ رَأْيُهُ عَنْ نَفْسِهِ. وَالْبَصْرِيُّونَ لَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَهِلَ نَفْسَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كيسان وَالزَّجَّاجُ. قَالَ: لِأَنَّ مَنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ فَقَدْ جَهِلَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ خَالِقَهَا. وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ ضَعِيفٌ. فَإِنَّهُ إنْ قِيلَ إنَّ الْمَعْنَى صَحِيحٌ فَهُوَ إنَّمَا قَالَ (سَفِهَ و " سَفُهَ " فِعْلٌ لَازِمٌ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ و " جَهِلَ " فِعْلٌ مُتَعَدٍّ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ " سَفَّهْت كَذَا " أَلْبَتَّةَ بِمَعْنَى: جهلته. بَلْ قَالُوا: سَفُهَ بِالضَّمِّ سَفَاهَةً أَيْ صَارَ سَفِيهًا وَسَفِهَ بِالْكَسْرِ أَيْ حَصَلَ مِنْهُ سَفَهٌ كَمَا قَالُوا فِي " فَقِهَ وَفَقُهَ ". وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ: سَفِهَتْ الشُّرْبَ إذَا أَكْثَرْت مِنْهُ. وَهُوَ يُوَافِقُ مَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ أَيْ صَارَ شُرْبُهُ سَفِيهًا فَسَفِهَ شُرْبَهُ لَمَّا جَاوَزَ الْحَدَّ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ وَيُونُسُ: نُصِبَ بِإِسْقَاطِ الْخَافِضِ أَيْ سَفِهَ فِي نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُمْ " بِإِسْقَاطِ الْخَافِضِ " لَيْسَ هُوَ أَصْلًا فَيُعْتَبَرُ بِهِ وَلَكِنْ قَدْ تَنْزِعُ حُرُوفُ الْجَرِّ فِي مَوَاضِعَ مَسْمُوعَةٍ فَيَتَعَدَّى الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ مَقِيسًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. ف " سَفِهَ " لَيْسَ مِنْ هَذَا لَا يُقَالُ: سَفِهْت أَمْرَ اللَّهِ وَلَا دِينَ الْإِسْلَامِ بِمَعْنَى: جَهِلْته أَيْ سَفِهْت فِيهِ. وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالسَّفَهِ وَيُنْصَبُ عَلَى التَّمْيِيزِ مَا خُصَّ بِهِ.

الصفحة 571