كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 16)

لَازِمَةٌ. فَإِنَّهُ لَا تُوجَدُ مَبْنِيَّةً إلَّا بِبَانِيهَا وَلَا مطحية إلَّا بِطَاحِيهَا وَلَا مُسَوَّاةً إلَّا بِمُسَوِّيهَا. وَأَمَّا الْمَرْءُ الْمُزَكِّي نَفْسَهُ وَالْمُدَسِّيهَا فَقَدْ انْقَضَى عَمَلُهُ فِي الدُّنْيَا وَفَلَاحُهُ وَخَيْبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ لَيْسَا مُسْتَلْزِمَيْنِ لِذَلِكَ الْعَمَلِ. وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} . وَلِهَذَا يُسْتَفْهَمُ بِهَا عَنْ صِفَاتِ مَنْ يَعْلَمُ فِي قَوْلِهِ {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} كَمَا يُسْتَفْهَمُ عَلَى وَجْهٍ بِهَا فِي قَوْلِهِ {مَاذَا تَعْبُدُونَ} . وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} فَالِاسْتِفْهَامُ عَنْ عَيْنِ الْخَالِقِ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآلِهَةِ الَّتِي تُعْبَدُ. فَإِنَّ الْمُسْتَفْهِمِينَ بِهَا كَانُوا مُقِرِّينَ بِصِفَةِ الْخَالِقِ وَإِنَّمَا طَلَبَ بِالِاسْتِفْهَامِ تَعْيِينَهُ وَتَمْيِيزَهُ وَلِتُقَامَ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ بِاسْتِحْقَاقِهِ وَحْدَهُ الْعِبَادَةَ. وَأَمَّا فِرْعَوْنُ فَكَانَ مُنْكِرًا لِلْمَوْصُوفِ الْمُسَمَّى فَاسْتَفْهَمَ بِصِيغَةِ " مَا " لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِهِ طَالِبًا لِتَعْيِينِهِ. وَلِهَذَا كَانَ الْجَوَابُ فِي هَذَا الِاسْتِفْهَامِ بِقَوْلِ مُوسَى {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وَبِقَوْلِهِ {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} فَأَجَابَ أَيْضًا بِالصِّفَةِ. وَهُنَاكَ قَالَ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} فَكَانَ الْجَوَابُ بِالِاسْمِ الْمُمَيِّزِ لِلْمُسَمَّى عَنْ غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا} إلَى تَمَامِ الْآيَاتِ.

الصفحة 597