كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 16)

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} لَمْ يَحْتَجْ إلَى اسْتِثْنَاءٍ آخَرَ. وَأَمَّا هَذِهِ السُّورَةُ فَإِنَّ فِيهَا التَّبَرِّي مِنْ عِبَادَةِ مَا يَعْبُدُونَ لَا مِنْ نَفْسِ مَا يَعْبُدُونَ. وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَمِنْ عِبَادَتِهِمْ وَمِمَّا يَعْبُدُونَ. فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بَاطِلٌ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ: " {أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ وَهُوَ كُلُّهُ لِلَّذِي أَشْرَكَ} ". فَعِبَادَةُ الْمُشْرِكِ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ لَا يُقَالُ: نَصِيبُ اللَّهِ مِنْهَا حَقٌّ وَالْبَاقِي بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَعْبُودِهِمْ. فَإِنَّ اللَّهَ إلَهٌ حَقٌّ وَمَا سِوَاهُ آلِهَةٌ بَاطِلَةٌ. فَلَمَّا تَبَرَّأَ الْخَلِيلُ مِنْ الْمَعْبُودِينَ احْتَاجَ إلَى اسْتِثْنَاءِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ تَبَرُّؤُهُ مِنْ أَنْ يَعْبُدَ مَا يَعْبُدُونَ فَكَانَ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْعِبَادَةَ تَبَرَّأَ مِنْ عِبَادَةِ الْمَجْمُوعِ الَّذِينَ يَعْبُدُهُمْ الْكَافِرُونَ. الثَّالِثُ: إنْ كَانَ النَّفْيُ عَنْ الْمَوْصُوفِ بِأَنَّهُ مَعْبُودُهُمْ لَا عَنْ عَيْنِهِ فَهُوَ لَا يَعْبُدُ شَيْئًا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعْبُودُهُمْ. لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعْبُودُهُمْ هُمْ مُشْرِكُونَ بِهِ فَوَجَبَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْ عِبَادَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ. وَلَوْ قَالَ " مَنْ تَعْبُدُونَ " لَكَانَ يُقَالُ: إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ لِأَنَّ النَّفْيَ وَاقِعٌ عَلَى

الصفحة 599