كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 17)

وَهَذَا الَّذِي نَبَّهْنَا عَلَيْهِ مِمَّا يَظْهَرُ بِهِ أَنَّ مَا يَذْكُرُهُ صَاحِبُ " الْمُحَصِّلِ " وَأَمْثَالُهُ مِنْ تَقْسِيمِ الْمَوْجُودَاتِ عَلَى رَأْيِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ كُلُّهُ تَقْسِيمٌ غَيْرُ حَاصِرٍ وَكُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مُقَصِّرٌ عَنْ سَلَفِهِ. أَمَّا الْمُتَكَلِّمُونَ فَلَمْ يَسْلُكُوا مِنْ التَّقْسِيمِ الْمَسْلَكَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَكَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ أَتْبَاعُ أَرِسْطُو لَمْ يَسْلُكُوا مَسْلَكَ الْفَلَاسِفَةِ الْأَسَاطِينِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَإِنَّ أُولَئِكَ كَانُوا يَقُولُونَ بِحُدُوثِ هَذَا الْعَالَمِ وَكَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ فَوْقَ هَذَا الْعَالَمِ عَالَمًا آخَرَ يَصِفُونَهُ بِبَعْضِ مَا وَصَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ الْجَنَّةَ وَكَانُوا يُثْبِتُونَ مَعَادَ الْأَبْدَانِ كَمَا يُوجَدُ هَذَا فِي كَلَامِ سُقْرَاطَ وتاليس وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَرِسْطُو.
فَصْلٌ:
وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْمُحْدَثَةُ الْمُجْمَلَةُ النَّافِيَةُ مِثْلَ لَفْظِ " الْمُرَكَّبِ " و " الْمُؤَلَّفِ " و " الْمُنْقَسِمِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ قَدْ صَارَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ نَفْيَ شَيْءٍ مِمَّا أَثْبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَبَّرَ بِهَا عَنْ مَقْصُودِهِ فَيَتَوَهَّمُ مَنْ لَا يَعْرِفُ مُرَادَهُ أَنَّ الْمُرَادَ تَنْزِيهُ الرَّبِّ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ إثْبَاتُ أَحَدِّيَّتِهِ وَصَمَدِيَّتِهِ وَيَكُونُ قَدْ أَدْخَلَ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مَا رَآهُ هُوَ مَنْفِيًّا

الصفحة 351