كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 17)

فَهِيَ طَرِيقُ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ دَخَلَ فِي التَّأْوِيلِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ.
وَأَمَّا حُذَّاقُ الْفَلَاسِفَةِ فَيَقُولُونَ: إنَّ الْمُرَادَ بِخِطَابِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يُخَيَّلَ إلَى الْجُمْهُورِ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي مَصَالِحَ دُنْيَاهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُطَابِقًا لِلْحَقِّ. قَالُوا: وَلَيْسَ مَقْصُودُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَ الْحَقِّ وَتَعْرِيفَهُ بَلْ مَقْصُودُهُ أَنْ يُخَيَّلَ إلَيْهِمْ مَا يَعْتَقِدُونَهُ. وَيَجْعَلُونَ خَاصَّةَ النُّبُوَّةِ قُوَّةَ التَّخْيِيلِ. فَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبَيِّنْ وَلَمْ يُفَهِّمْ؛ بَلْ وَلَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ. وَهُمْ مُتَنَازِعُونَ هَلْ كَانَ يَعْلَمُ الْأُمُورَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ يَعْلَمُهَا؛ لَكِنْ مَا كَانَ يُمْكِنُهُ بَيَانُهَا. وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَجْعَلُونَ الرَّسُولَ أَفْضَلَ مِنْ الْفَيْلَسُوفِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ مَا كَانَ يَعْرِفُهَا أَوْ مَا كَانَ حَاذِقًا فِي مَعْرِفَتِهَا وَإِنَّمَا كَانَ يَعْرِفُ الْأُمُورَ الْعَمَلِيَّةَ وَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ الْفَيْلَسُوفَ أَكْمَلَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْعَمَلِيَّةَ أَكْمَلُ مِنْ الْعِلْمِيَّةِ فَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ خَبَرَ اللَّهِ وَخَبَرَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا فِيهِ التَّخْيِيلُ وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّخْيِيلَ وَلَكِنْ قَصَدَ مَعْنًى يُعْرَفُ بِالتَّأْوِيلِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْل الْكَلَامِ الْجَهْمِيَّة يُوَافِقُ أُولَئِكَ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبُوحَ بِالْحَقِّ فِي بَابِ التَّوْحِيدِ فَخَاطَبَ الْجُمْهُورَ بِمَا يُخَيَّلُ لَهُمْ كَمَا يَقُولُونَ: إنَّهُ لَوْ قَالَ:

الصفحة 356