كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 17)

السَّلَفِ أَجْمَعِينَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} فَلَمَّا ذَكَرَ لَهُ مَا ذَكَرَ قَالَ: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} . وَهَذَا تَأْوِيلُ فِعْلِهِ لَيْسَ هُوَ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ عَاقِبَةُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ مَا فَعَلْته: مِنْ مَصْلَحَةِ أَهْلِ السَّفِينَةِ وَمَصْلَحَةِ أَبَوَيْ الْغُلَامِ وَمَصْلَحَةِ أَهْلِ الْجِدَارِ. وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: رَدُّكُمْ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ أَحْسَنُ مِنْ تَأْوِيلِكُمْ فَهَذَا قَدْ ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَهَذَا مِنْ جِنْسِ مَا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ فِي لَفْظِ التَّأْوِيلِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ بِالِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ لَا بِلُغَةِ الْقُرْآنِ فَأَمَّا قُدَمَاءُ الْمُفَسِّرِينَ فَلَفْظُ التَّأْوِيلِ وَالتَّفْسِيرِ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ كَمَا يَقُولُ ابْنُ جَرِيرٍ: الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ. أَيْ فِي تَفْسِيرِهَا. وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَعْنَى التَّأْوِيلِ عِنْدَ مُجَاهِدٍ وَهُوَ إمَامُ التَّفْسِيرِ جَعَلَ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} فَإِنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَفْسِيرَهُ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْل السُّنَّةِ. وَكَانَ ابْنُ قُتَيْبَةَ يَمِيلُ إلَى مَذْهَبِ أَحْمَد وَإِسْحَاقَ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فِي " الْمُشْكِلِ " وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا مُتَأَخِّرُو الْمُفَسِّرِينَ كَالثَّعْلَبِيِّ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ. قَالَ: فَمَعْنَى التَّفْسِيرِ هُوَ التَّنْوِيرُ وَكَشْفُ الْمُغْلَقِ مِنْ الْمُرَادِ بِلَفْظِهِ

الصفحة 367