كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 17)

دَامَتْ قُلُوبُكُمْ وَأَهْوَاؤُكُمْ وَاحِدَةً وَلَمْ تُلْبَسُوا شِيَعًا وَلَمْ يَذُقْ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَأْمُرُوا وَانْهَوْا فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْقُلُوبُ وَالْأَهْوَاءُ وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا وَذَاقَ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَامْرُؤُ وَنَفْسُهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ. فَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْكَلَامِ تَأْوِيلَ الْأَمْرِ وَتَأْوِيلَ الْخَبَرِ فَهَذِهِ الْآيَةُ {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} مِنْ بَابِ الْأَمْرِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْحِسَابِ وَالْقِيَامَةِ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ تَأْوِيلَ الْخَبَرِ هُوَ وُجُودُ الْمُخْبَرِ بِهِ وَتَأْوِيلُ الْأَمْرِ هُوَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ فَالْآيَةُ الَّتِي مَضَى تَأْوِيلُهَا قَبْلَ نُزُولِهَا هِيَ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ: يَقَعُ الشَّيْءُ فَيَذْكُرُهُ اللَّهُ كَمَا ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ لِلرَّسُولِ وَتَكْذِيبِهِمْ لَهُ وَهِيَ وَإِنَّ مَضَى تَأْوِيلُهَا فَهِيَ عِبْرَةٌ وَمَعْنَاهَا ثَابِتٌ فِي نَظِيرِهَا وَمِنْ هَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} . وَإِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَالْمُتَشَابِهُ مِنْ الْأَمْرِ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ تَأْوِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ؛ لَكِنْ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ فِي الْأَمْرِ مُتَشَابِهًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} قَدْ يُرَادُ بِهِ مِنْ الْخَبَرِ فَالْمُتَشَابِهُ مِنْ الْخَبَرِ مِثْلَ مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ وَالْمَاءِ وَالْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ فَإِنَّ بَيْنَ

الصفحة 372