كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 17)

وَالْوَعِيدِ وَكُلُّهُ مُتَشَابِهٌ وَأَيْضًا فَلَا يَلْزَمُ فِي كُلِّ آيَةٍ ظَنَّهَا بَعْضُ النَّاسِ مُتَشَابِهًا أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ. فَقَوْلُ أَحْمَد احْتَجُّوا بِثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ الْمُتَشَابِهِ وَقَوْلُهُ مَا شَكَّتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ قَدْ يُقَالُ إنَّ هَؤُلَاءِ أَوْ إنَّ أَحْمَد جَعَلَ بَعْضَ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ وَلَيْسَ مِنْهُ فَإِنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} لَمْ يُرِدْ بِهِ هُنَا الْإِحْكَامَ الْعَامَّ وَالتَّشَابُهَ الْعَامَّ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} وَفِي قَوْلِهِ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} فَوَصَفَهُ هُنَا كُلَّهُ بِأَنَّهُ مُتَشَابِهٌ أَيْ مُتَّفِقٌ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَهُوَ عَكْسُ الْمُتَضَادِّ الْمُخْتَلِفِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} وَقَوْلِهِ: {إنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} فَإِنَّ هَذَا التَّشَابُهَ يَعُمُّ الْقُرْآنَ كَمَا أَنَّ إحْكَامَ آيَاتِهِ تَعُمُّهُ كُلَّهُ وَهُنَا قَدْ قَالَ: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فَجَعَلَ بَعْضَهُ مُحْكَمًا وَبَعْضَهُ مُتَشَابِهًا فَصَارَ التَّشَابُهُ لَهُ مَعْنَيَانِ وَلَهُ مَعْنًى ثَالِثٌ وَهُوَ الْإِضَافِيُّ يُقَالُ قَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْنَا هَذَا كَقَوْلِ بَنِي إسْرَائِيلَ: {إنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ مُتَمَيِّزًا مُنْفَصِلًا بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ. وَهَذَا مِنْ بَابِ اشْتِبَاهِ الْحَقِّ

الصفحة 384