كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 17)

تَصْدِيقُ بَعْضِهِ بَعْضًا لَكَانَ اتِّبَاعُ ذَلِكَ غَيْرَ مَحْذُورٍ وَلَيْسَ فِي كَوْنِهِ يُصَدِّقُ بَعْضَهُ بَعْضًا مَا يَمْنَعُ ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَقَدْ يُحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ مُتَشَابِهَاتٍ فَجَعَلَهَا أَنْفُسَهَا مُتَشَابِهَاتٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضًا لَيْسَتْ مُتَشَابِهَةً لِغَيْرِهَا. وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا ذُكِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَيَيْنِ صَارَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ كَقَوْلِهِ: (إنَّا) و (نَحْنُ) الْمَذْكُورُ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ لَمَّا ذَكَرَ قِصَّةَ أَهْلِ نَجْرَانَ وَنُزُولِ الْآيَةِ قَالَ: الْمُحْكَمُ مَا لَا يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا وَالْمُتَشَابِهُ مَا احْتَمَلَ فِي التَّأْوِيلِ أَوْجُهًا وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ الْمُحْكَمَ لَا يَكُونُ تَأْوِيلُهُ فِي الْخَارِجِ إلَّا شَيْئًا وَاحِدًا وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ فَيَكُونُ لَهُ تَأْوِيلَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَكِنْ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ وَحِينَئِذٍ فَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا كَمَا يَعْلَمُونَ الْمُرَادَ مِنْ الْمُحْكَمِ؛ لَكِنَّ نَفْسَ التَّأْوِيلِ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ وَوَقْتَ الْحَوَادِثِ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُونَهُ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ نَصَارَى نَجْرَانَ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: {بِكَلِمَةُ مِنَ اللَّهِ} وَرُوحٌ مِنْهُ وَلَفْظُ كَلِمَةِ اللَّهِ: يُرَادُ بِهِ الْكَلَامُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَخْلُوقُ بِالْكَلَامِ وَرُوحٌ مِنْهُ: يُرَادُ بِهِ ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ وَيُرَادُ بِهِ التَّبْعِيضُ فَعَلَى هَذَا إذَا قِيلَ تَأْوِيلُهُ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ الْمُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ أَيْ لَا يَعْلَمُونَ كَيْفَ خَلَقَ

الصفحة 389