كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 17)

الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ الْوَصْفِ بِالْإِيمَانِ لَمْ يَخُصَّ الرَّاسِخِينَ بَلْ قَالَ: وَالْمُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ فَإِنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ فَلَمَّا خَصَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ بِالذِّكْرِ عَلِمَ أَنَّهُمْ امْتَازُوا بِعِلْمِ تَأْوِيلِهِ فَعَلِمُوهُ لِأَنَّهُمْ عَالِمُونَ وَآمَنُوا بِهِ لِأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ " وَكَانَ إيمَانُهُمْ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ أَكْمَلَ فِي الْوَصْفِ وَقَدْ قَالَ عقيب ذَلِكَ: {وَمَا يَذَّكَّرُ إلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هُنَا تَذَكُّرًا يَخْتَصُّ بِهِ أُولُو الْأَلْبَابِ فَإِنْ كَانَ مَا ثَمَّ إلَّا الْإِيمَانُ بِأَلْفَاظٍ فَلَا يُذَكِّرُ لِمَا يَدُلُّهُمْ عَلَى مَا أُرِيدَ بِالْمُتَشَابِهِ. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} فَلَمَّا وَصَفَهُمْ بِالرُّسُوخِ فِي الْعِلْمِ وَأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ قَرَنَ بِهِمْ الْمُؤْمِنِينَ فَلَوْ أُرِيدَ هُنَا مُجَرَّدُ الْإِيمَانِ لَقَالَ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَالْمُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كَمَا قَالَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ لَمَّا كَانَ مُرَادُهُ مُجَرَّدَ الْإِخْبَارِ بِالْإِيمَانِ جَمَعَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ. قَالُوا: وَأَمَّا الذَّمُّ فَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى مَنْ يَتَّبِعُ الْمُتَشَابِهَ لِابْتِغَاءِ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءِ تَأْوِيلِهِ وَهُوَ حَالُ أَهْلِ الْقَصْدِ الْفَاسِدِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْقَدْحَ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يَطْلُبُونَ إلَّا الْمُتَشَابِهَ لِإِفْسَادِ الْقُلُوبِ وَهِيَ فِتْنَتُهَا بِهِ وَيَطْلُبُونَ تَأْوِيلَهُ وَلَيْسَ طَلَبُهُمْ لِتَأْوِيلِهِ لِأَجْلِ الْعِلْمِ وَالِاهْتِدَاءِ بَلْ هَذَا

الصفحة 393