كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 17)

ذَلِكَ الْكَلَامِ وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ قَدْ يَعْرِفُ الْحَجَّ وَالْمَشَاعِرَ كَالْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ وَمِنًى وَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَيَفْهَمُ مَعْنَى ذَلِكَ وَلَا يَعْرِفُ أَعْيَانَ الْأَمْكِنَةِ حَتَّى يُشَاهِدَهَا فَيَعْرِفُ أَنَّ الْكَعْبَةَ الْمُشَاهَدَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} وَكَذَلِكَ أَرْضُ عَرَفَاتٍ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} وَكَذَلِكَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ الَّتِي بَيْنَ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ يُعْرَفُ أَنَّهَا الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} . وَكَذَلِكَ الرُّؤْيَا قَدْ يَرَاهَا الرَّجُلُ وَيَذْكُرُ لَهُ الْعَابِرُ تَأْوِيلَهَا فَيَفْهَمُهُ وَيَتَصَوَّرُهُ: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَيَكُونُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ إذَا كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا لَيْسَ تَأْوِيلُهَا نَفْسَ عِلْمِهِ وَتَصَوُّرِهِ وَكَلَامِهِ وَلِهَذَا قَالَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} وَقَالَ: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} فَقَدْ أَنْبَأَهُمَا بِالتَّأْوِيلِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ التَّأْوِيلُ وَالْإِنْبَاءُ لَيْسَ هُوَ التَّأْوِيلُ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَالِمٌ بِالتَّأْوِيلِ وَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ مَتَى يَقَعُ فَنَحْنُ نَعْلَمُ تَأْوِيلَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْرِفُ مَتَى يَقَعُ هَذَا التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} الْآيَةُ. وَقَالَ تَعَالَى: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ}

الصفحة 427