كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 17)

وَلَمَّا كَانَ اتِّخَاذُ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا مُحَرَّمًا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ قَطُّ مَسْجِدٌ عَلَى قَبْرٍ وَكَانَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَغَارَةِ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا وَهِيَ مَسْدُودَةٌ لَا أَحَدَ يَدْخُلُ إلَيْهَا وَلَا تَشُدُّ الصَّحَابَةُ الرِّحَالَ لَا إلَيْهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَقَابِرِ؛ لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا} . فَكَانَ يَأْتِي مَنْ يَأْتِي مِنْهُمْ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يُصَلُّونَ فِيهِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ لَا يَأْتُونَ مَغَارَةَ الْخَلِيلِ وَلَا غَيْرَهَا وَكَانَتْ مَغَارَةُ الْخَلِيلِ مَسْدُودَةً حَتَّى اسْتَوْلَى النَّصَارَى عَلَى الشَّامِ فِي أَوَاخِرَ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ فَفَتَحُوا الْبَابَ وَجَعَلُوا ذَلِكَ الْمَكَانَ كَنِيسَةً ثُمَّ لَمَّا فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ الْبِلَادَ اتَّخَذَهُ بَعْضُ النَّاسِ مَسْجِدًا وَأَهْلُ الْعِلْمِ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ بَعْضُهُمْ {فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ طِيبَةُ انْزِلْ فَصَلِّ فَنَزَلَ فَصَلَّى هَذَا مَكَانُ أَبِيك انْزِلْ فَصَلِّ} . كَذِبٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يُصَلِّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى خَاصَّةً كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ وَلَا نَزَلَ إلَّا فِيهِ. وَلِهَذَا لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ

الصفحة 464