كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 17)

الْمُسْلِمَ الْمُشْتَرِيَ لَهَا إذَا أَدَّى الْخَرَاجَ عَنْهَا أَشْبَهَ أَهْلَ الذِّمَّةِ فِي الْتِزَامِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّ الْخَرَاجَ جِزْيَةُ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا ظَلَمَ الْمُسْلِمِينَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِمْ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ يَكْرَهُوا بَيْعَهَا لِكَوْنِهَا وَقْفًا فَإِنَّ الْوَقْفَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ الْوَقْفَ وَلِهَذَا لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَالْأَرْضُ الخراجية تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَتَجُوزُ هِبَتُهَا وَالْمُتَّهِبُ الْمُشْتَرِي يَقُومُ فِيهَا مَقَامَ الْبَائِعِ فَيُؤَدِّي مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْخَرَاجِ وَلَيْسَ فِي بَيْعِهَا مَضَرَّةٌ لِمُسْتَحِقِّي الْخَرَاجِ كَمَا فِي بَيْعِ الْوَقْفِ. وَقَدْ غَلِطَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ كَرِهُوا بَيْعَهَا لِكَوْنِهَا وَقْفًا وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا الْآثَارَ مَرْوِيَّةً فِي كَرَاهَةِ بَيْعِهَا وَقَدْ عَرَفُوا أَنَّ عُمَرَ جَعَلَهَا فَيْئًا لَمْ يُقَسِّمْهَا قَطُّ وَذَلِكَ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ فَظَنُّوا أَنَّ بَيْعَهَا مَكْرُوهٌ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَمْ يَتَأَمَّلُوا حَقَّ التَّأَمُّلِ فَيَرَوْنَ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ لَيْسَ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْوَقْفِ فَإِنَّ هَذِهِ يُصْرَفُ مَغْلُهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ وَعَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ لَيْسَتْ كَالدَّارِ الَّتِي إذَا بِيعَتْ تَعَطَّلَ نَفْعُهَا عَنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَصَارَتْ لِلْمُشْتَرِي. وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ هَؤُلَاءِ قَالُوا: مَكَّةُ إنَّمَا كُرِهَ بَيْعُ رِبَاعِهَا لِكَوْنِهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَلَمْ تُقَسَّمْ أَيْضًا وَهُمْ قَدْ قَالُوا مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ إنَّ الْأَرْضَ الْعَنْوَةَ الَّتِي جُعِلَتْ أَرْضُهَا فَيْئًا يَجُوزُ بَيْعُ مَسَاكِنِهَا وَالْخَرَاجُ إنَّمَا جُعِلَ عَلَى الْمَزَارِعِ لَا عَلَى الْمَسَاكِنِ فَلَوْ كَانَتْ

الصفحة 489