كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 18)

وَمِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُحَدِّثِينَ أَهْلَ الْإِتْقَانَ: مِثْلُ شُعْبَةُ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ هُمْ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ وَالْحِفْظِ؛ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ دُونَ هَؤُلَاءِ وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ عِنْدَهُمْ ضَعِيفًا لِكَثْرَةِ الْغَلَطِ فِي حَدِيثِهِ وَيَكُونُ حَدِيثُهُ إذَا الْغَالِبُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ لِأَجْلِ الِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاعْتِضَادِ بِهِ؛ فَإِنَّ تَعَدُّدَ الطُّرُقِ وَكَثْرَتَهَا يُقَوِّي بَعْضَهَا بَعْضًا حَتَّى قَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهَا وَلَوْ كَانَ النَّاقِلُونَ فُجَّارًا فُسَّاقًا فَكَيْفَ إذَا كَانُوا عُلَمَاءَ عُدُولًا وَلَكِنْ كَثُرَ فِي حَدِيثِهِمْ الْغَلَطُ. وَمِثْلُ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ فَإِنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ قَاضِيًا بِمِصْرِ كَثِيرَ الْحَدِيثِ لَكِنْ احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ فَصَارَ يُحَدِّثُ مَنْ حَفِظَهُ فَوَقَعَ فِي حَدِيثِهِ غَلَطٌ كَثِيرٌ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى حَدِيثِهِ الصِّحَّةُ قَالَ أَحْمَد: قَدْ أَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ لِلِاعْتِبَارِ بِهِ: مِثْلَ ابْنِ لَهِيعَةَ. وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ مِنْهُ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرْوِي عَنْ هَذَا شَيْئًا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَرْوِ فِي مُسْنَدِهِ عَمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ؛ لَكِنْ يَرْوِي عَمَّنْ عَرَفَ مِنْهُ الْغَلَطَ لِلِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاعْتِضَادِ. وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَانَ يَسْمَعُ حَدِيثَ مَنْ يُكَذِّبُ وَيَقُولُ: إنَّهُ

الصفحة 26