كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 19)

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ جَمِيعَ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ يُقِرُّونَ بِوُجُودِ الْجِنِّ وَكَذَلِكَ جُمْهُورُ الْكُفَّارِ كَعَامَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ عَامَّةُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَوْلَادِ الهذيل وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَوْلَادِ حَامٍ وَكَذَلِكَ جُمْهُورُ الْكَنْعَانِيِّينَ واليونانيين وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَوْلَادِ يافث. فَجَمَاهِيرُ الطَّوَائِفِ تُقِرُّ بِوُجُودِ الْجِنِّ بَلْ يُقِرُّونَ بِمَا يَسْتَجْلِبُونَ بِهِ مُعَاوَنَةَ الْجِنِّ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالطَّلَاسِمِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ سَائِغًا عِنْدَ أَهْلِ الْإِيمَانِ أَوْ كَانَ شِرْكًا فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَقْرَءُونَ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالطَّلَاسِمِ وَالرُّقَى مَا فِيهِ عِبَادَةٌ لِلْجِنِّ وَتَعْظِيمٌ لَهُمْ وَعَامَّةُ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالطَّلَاسِمِ وَالرُّقَى الَّتِي لَا تُفْقَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فِيهَا مَا هُوَ شِرْكٌ بِالْجِنِّ. وَلِهَذَا نَهَى عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الرُّقَى الَّتِي لَا يُفْقَهُ مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الشِّرْكِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الرَّاقِي أَنَّهَا شِرْكٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ {عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأشجعي. قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ} . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ قَالَ: {نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّقَى فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ وَإِنَّك نَهَيْت عَنْ الرُّقَى قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا أَرَى بَأْسًا مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ}

الصفحة 13