كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 23)

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي السُّجُودِ وَالْبِنَاءِ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ. فَقِيلَ: إذَا طَالَ الْفَصْلُ لَمْ يَسْجُدْ وَلَمْ يَبْنِ وَلَمْ يَحُدَّ هَؤُلَاءِ طُولَ الْفَصْلِ بِغَيْرِ قَوْلِهِمْ وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد. كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: قَدْ تَقْصُرُ الْمُدَّةُ وَإِنْ خَرَجَ وَقَدْ تَطُولُ وَإِنْ قَعَدَ. وَقِيلَ: يَسْجُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ انْقَطَعَ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الخرقي وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَنْ أَحْمَد وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ وَابْنِ شبرمة وَهَذَا حَدٌّ بِالْمَكَانِ لَا بِالزَّمَانِ لَكِنَّهُ حَدٌّ بِمَكَانِ الْعِبَادَةِ. وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا مَانِعٌ مِنْ السُّجُودِ: طُولَ الْفَصْلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَتَبَاعَدَ. وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فَإِنَّ تَحْدِيدَ ذَلِكَ بِالْمَكَانِ أَوْ بِزَمَانِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الزَّمَانُ غَيْرَ مَضْبُوطٍ فَطُولُ الْفَصْلِ وَقِصَرُهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَعْرُوفٌ فِي عَادَاتِ النَّاسِ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَلَمْ يُفَرِّقْ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ فِي السُّجُودِ وَالْبِنَاءِ بَيْنَ طُولِ الْفَصْلِ وَقِصَرِهِ وَلَا بَيْنَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالْمُكْثِ فِيهِ بَلْ قَدْ دَخَلَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَنْزِلِهِ

الصفحة 43