كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 34)

فِي ذَلِكَ حَيْثُ {خَيَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا بَيْنَ أَبَوَيْهِ} " وَهِيَ قَضِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ نَصٌّ عَامٌّ فِي تَخْيِيرِ الْوَلَدِ مُطْلَقًا. وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي تَخْيِيرِ الْجَارِيَةِ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِهِمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَخْيِيرِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ أَنَّ هَذَا التَّخْيِيرَ تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ وَتَخْيِيرُ رَأْيٍ وَمَصْلَحَةٍ؛ كَتَخْيِيرِ مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ كَالْإِمَامِ وَالْوَلِيِّ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا خُيِّرَ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ الْأَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ مُصِيبًا فِي اجْتِهَادِهِ حَاكِمًا بِحُكْمِ اللَّهِ وَيَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ؛ وَقَدْ لَا يُصِيبُهُ فَيُثَابَ كُلَّ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ وَلَا يَأْثَمُ بِعَجْزِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْمَصْلَحَةِ كَاَلَّذِي يُنْزِلُ أَهْلَ حِصْنٍ عَلَى حُكْمِهِ كَمَا {نَزَلَ بنوا قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا سَأَلَهُ فِيهِمْ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ: أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ أَجْعَلَ الْأَمْرَ إلَى سَيِّدِكُمْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَرَضَوْا بِذَلِكَ وَطَمِعَ مَنْ كَانَ يُحِبُّ اسْتِبْقَاءَهُمْ أَنَّ سَعْدًا يُحَابِيهِمْ؛ لِمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْمُوَالَاةِ فَلَمَّا أَتَى سَعْدٌ حَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ. وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَتُقَسَّمُ أَمْوَالُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ} وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا لِلَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ إنْفَاذِهِ. وَمِثْلَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ بريدة الْمَشْهُورِ قَالَ فِيهِ: {وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَسَأَلُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى

الصفحة 116