كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 34)
مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} الْآيَةُ؛ وَلَمْ يَسْتَأْذِنُوا فِي ذَلِكَ الْغَانِمِينَ؛ بَلْ طَلَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْغَانِمِينَ قَسْمَ الْعَقَارِ فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ إلَى ذَلِكَ كَمَا طَلَبَ بِلَالٌ مِنْ عُمَرَ أَنْ يَقْسِمَ أَرْضَ الشَّامِ وَطَلَبَ مِنْهُ الزُّبَيْرُ أَنْ يَقْسِمَ أَرْضَ مِصْرَ فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَطِبْ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَحَدًا مِنْ الْغَانِمِينَ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ فَيْئًا بِنَفْسِ الْفَتْحِ وَمِنْ ذَلِكَ نَصُّ مَذْهَبِهِ كَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إسْحَاقَ وَقَالُوا الْأَرْضُ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الْغَنِيمَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ الْمَغَانِمَ وَمِلْكَهُمْ الْعَقَارَ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَغَانِمِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يُذْكَرُ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَد؛ كَمَا ذَكَرَ عَنْهُ رِوَايَةً ثَالِثَةً كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ يَجِبُ قَسْمُ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَغْنُومٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ مَكَّةَ لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً؛ بَلْ صُلْحًا فَلَا يَكُونُ عَلَيَّ مِنْهَا حُجَّةٌ. وَمَنْ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً - كَصَاحِبِ " الْوَسِيطِ " وَغَيْرِهِ - فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ؛ وَقَالَ: لِأَنَّ السَّوَادَ لَا أَدْرِي مَا أَقُولُ فِيهِ إلَّا أَنْ أَظُنَّ فِيهِ ظَنًّا مَقْرُونًا بِعِلْمِ وَظَنٍّ أَنَّ عُمَرَ اسْتَطَابَ الْغَانِمِينَ كَمَا رَوَى قَيْسُ بْنُ حَارِثَةَ. وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ أَعْدَلُ الْأَقَاوِيلِ وَأَشْبَهُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأُصُولِ وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا: نُخَيِّرُ الْإِمَامَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ تَخْيِيرَ رَأْيٍ وَمَصْلَحَةٍ؛ لَا تَخْيِيرَ شَهْوَةٍ وَمَشِيئَةٍ وَهَكَذَا سَائِرُ مَا يُخَيَّرُ فِيهِ وُلَاةُ الْأَمْرِ وَمَنْ تَصَرَّفَ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةِ: كَنَاظِرِ الْوَقْفِ وَوَصِيِّ الْيَتِيمِ وَالْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ لَا يُخَيَّرُونَ تَخْيِيرَ. مَشِيئَةٍ وَشَهْوَةٍ؛ بَلْ تَخْيِيرَ اجْتِهَادٍ وَنَظَرٍ وَطَلَبُ الْجَوَازِ الْأَصْلَحِ: كَالرَّجُلِ الْمُبْتَلَى
الصفحة 119
272