كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 34)

وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ؛ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَهُوَ السِّعْرُ أَوْ الْإِجَارَةَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ: لَا يَصِحُّ. وَقَدْ سَلَّمَ لَهُمْ هَذَا الْأَصْلَ الَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد فِي الْبَيْعِ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: يَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ كَمَنْ دَخَلَ حَمَّامَ حمامي يَدْخُلُهَا النَّاسُ بالكرا أَوْ يَسْكُنُ فِي خَانٍ أَوْ حُجْرَةٍ عَادَتُهَا بِذَلِكَ أَوْ دَفَعَ طَعَامَهُ أَوْ خُبْزَهُ إلَى مَنْ يَطْبُخُ أَوْ يَخْبِزُ بِالْأُجْرَةِ أَوْ بِنَايَةً إلَى مَنْ يَعْمَلُ بِالْأُجْرَةِ أَوْ رَكِبَ دَابَّةَ مُكَارِي يُكَارِي بِالْأُجْرَةِ أَوْ سَفِينَةَ مَلَّاحٍ يُرْكِبُ بِالْأُجْرَةِ فَإِنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَيَجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ. فَهَذِهِ إجَارَةٌ عَنْ الْمِثْلِ وَكَذَلِكَ إذَا ابْتَاعَ طَعَامًا مِثْلَ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ أَوْ بِسِعْرِ مَا يَبِيعُونَ النَّاسَ أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ بِرَقْمِهِ: فَهَذَا يَجُوزُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَمِثْلِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ؛ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ لَا يُوجَدُ فِي كُتُبِهِمْ إلَّا الْقَوْلُ بِفَسَادِ هَذِهِ الْعُقُودِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَبَسْطُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا كَانَ " مَسَائِلَ الْحَضَانَةِ " وَإِنَّ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْأُمَّ قُدِّمَتْ لِتَقَدُّمِ قَرَابَةِ الْأُمِّ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُمْ ضَعِيفًا كَانَتْ الْفُرُوعُ اللَّازِمَةُ لِلْأَصْلِ الضَّعِيفِ ضَعِيفَةً وَفَسَادُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ الْمَلْزُومِ؛ بَلْ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ أَنَّهَا

الصفحة 127