كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 34)
لَا يَأْمُرُهُ كَانَ عِنْدَ الَّذِي يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْآمِرَ لَهُ هُوَ الْمُطِيعُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَرْبِيَتِهِ وَالْآخَرُ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَلَا نُقَدِّمُ مَنْ يَعْصِي اللَّهَ فِيهِ عَلَى مَنْ يُطِيعُ اللَّهَ فِيهِ؛ بَلْ يَجِبُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ يَفْعَلُ مَعَهُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَيَتْرُكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْآخَرُ لَا يَفْعَلُ مَعَهُ الْوَاجِبَ أَوْ يَفْعَلُ مَعَهُ الْحَرَامَ: قُدِّمَ مَنْ يَفْعَلُ الْوَاجِبَ وَلَوْ اخْتَارَ الصَّبِيُّ غَيْرَهُ؛ بَلْ ذَلِكَ الْعَاصِي لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ بِحَالِ؛ بَلْ كُلُّ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبِ فِي وِلَايَتِهِ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ بَلْ إمَّا تُرْفَعُ يَدُهُ عَنْ الْوِلَايَةِ وَيُقَامُ مَنْ يَفْعَلُ الْوَاجِبَ وَإِمَّا أَنْ نَضُمَّ إلَيْهِ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ بِالْوَاجِبِ. فَإِذَا كَانَ مَعَ حُصُولِهِ عِنْدَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لَا تَحْصُلُ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي حَقِّهِ وَمَعَ حُصُولِهِ عِنْدَ الْآخَرِ تَحْصُلُ: قُدِّمَ الْأَوَّلُ قَطْعًا. وَلَيْسَ هَذَا الْحَقُّ مِنْ جِنْسِ الْمِيرَاثِ الَّذِي يَحْصُلُ بِالرَّحِمِ وَالنِّكَاحِ وَالْوِلَايَةِ إنْ كَانَ الْوَارِثُ حَاجِزًا أَوْ عَاجِزًا. بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ " الْوِلَايَةِ " وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْمَالِ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَاجِبِ وَفِعْلُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْأَبَ تَزَوَّجَ ضَرَّةً وَهِيَ تُتْرَكُ عِنْدَ ضَرَّةِ أُمِّهَا لَا تَعْمَلُ مَصْلَحَتَهَا بَلْ تُؤْذِيهَا أَوْ تُقَصِّرُ فِي مَصْلَحَتِهَا وَأُمُّهَا تَعْمَلُ مَصْلَحَتُهَا وَلَا تُؤْذِيهَا فَالْحَضَانَةُ هُنَا لِلْأُمِّ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ التَّخْيِيرَ مَشْرُوعٌ وَأَنَّهَا اخْتَارَتْ الْأُمَّ فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشَّارِعَ لَيْسَ لَهُ نَصٌّ عَامٌّ فِي تَقْدِيمِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ مُطْلَقًا وَلَا تَخْيِيرِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ مُطْلَقًا. وَالْعُلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا مُطْلَقًا؛ بَلْ مَعَ الْعُدْوَانِ وَالتَّفْرِيطِ لَا يُقَدَّمُ مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ عَلَى الْبَرِّ الْعَادِلِ الْمُحْسِنِ الْقَائِمِ بِالْوَاجِبِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الصفحة 132
272