كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 34)

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَهَا فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَهَا فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ: فَاقْتُلُوهُ} فَأَمَرَ بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ. وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُوجِبُونَ الْقَتْلَ؛ بَلْ يَجْعَلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخًا؛ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ. وَطَائِفَةٌ يَقُولُونَ: إذَا لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ الشُّرْبِ إلَّا بِالْقَتْلِ جَازَ ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي السُّنَنِ أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ أَنْوَاعٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ قَالَ: {فَإِنْ لَمْ يَدَعُوا ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُمْ} . وَالْحَقُّ مَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ {أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حَمَّارًا وَهُوَ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ؛ فَكَانَ كُلَّمَا شَرِبَ جَلَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَنَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَعَنَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا تَلْعَنْهُ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ جُلِدَ مَعَ كَثْرَةِ شُرْبِهِ. وَأَمَّا " تَارِكُ الصَّلَاةِ " فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَأَكْثَرُهُمْ - كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد - يَقُولُونَ: إنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَهَلْ يُقْتَلُ كَافِرًا مُرْتَدًّا أَوْ فَاسِقًا كَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. فَإِذَا لَمْ تُمْكِنْ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ مَعَهُ الْمُمْكِنُ: فَيُهْجَرُ: وَيُوَبَّخُ حَتَّى يَفْعَلَ الْمَفْرُوضَ وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ وَلَا يَكُونُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} مَعَ أَنَّ إضَاعَتَهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا فَكَيْفَ بِتَارِكِهَا؟

الصفحة 217