كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 34)
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسَافِرًا عَنْهَا مُدَّةً وَهِيَ مُقِيمَةٌ فِي بَيْتِ أَبِيهَا وَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهَا بِنَفَقَةِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْمَاضِي مُطْلَقًا فِي هَذَا الْبَابِ. وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَنْ تَدَبَّرَهَا تَبَيَّنَ لَهُ سِرُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ قَبُولَ قَوْلِ النِّسَاءِ فِي عَدَمِ النَّفَقَةِ فِي الْمَاضِي فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْفَسَادِ. مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا رَبُّ الْعِبَادِ. وَهُوَ يَئُولُ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُقِيمُ مَعَ الزَّوْجِ خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ تَدَّعِي نَفَقَةَ خَمْسِينَ سَنَةً وَكِسْوَتَهَا وَتَدَّعِي أَنَّ زَوْجَهَا مَعَ يَسَارِهِ وَفَقْرِهَا لَمْ يُطْعِمْهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ شَيْئًا وَهَذَا مِمَّا يَتَبَيَّنُ النَّاسُ كَذِبَهَا فِيهِ قَطْعًا وَشَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ مُنَزَّهَةٌ عَنْ أَنْ يُحْكَمَ فِيهَا بِالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ؛ وَالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ. " الْوَجْهُ الْخَامِسُ " أَنَّ الْأَصْلَ الْمُسْتَقِرَّ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْيَمِينَ مَشْرُوعَةٌ فِي جَنَبَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ؛ سَوَاءٌ تَرَجَّحَ ذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ؛ أَوْ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ أَوْ الْعَادَةِ الْعَمَلِيَّةِ؛ وَلِهَذَا إذَا تَرَجَّحَ جَانِبُ الْمُدَّعِي كَانَتْ الْيَمِينُ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد؛ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَكَمَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا فِي الْأَمْوَالِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُدَّعِي حُجَّةٌ تُرَجِّحُ جَانِبَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي الزَّوْجَيْنِ إذَا تَنَازَعَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لِكُلِّ مِنْهُمَا بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ إيَّاهُ فَيُحْكَمُ لِلْمَرْأَةِ بِمَتَاعِ النِّسَاءِ
الصفحة 81
272