كتاب المجالسة وجواهر العلم (اسم الجزء: 3)

613 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْمُؤَذِّنُ، عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ وَمُؤَرِّجٍ؛ قَالَا: قَامَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنِّي مُكَلِّمُكَ بِكَلَامٍ؛ فَاحْتَمِلْهُ إِنْ كَرِهْتَهُ، فَإِنَّ مِنْ وَرَاءِهِ مَا تُحِبُّهُ إِنْ قَبِلْتَهُ. قَالَ: هَاتِ يَا أَعْرَابِيُّ. قَالَ: فَإِنِّي سَأُطْلِقُ لِسَانِي بِمَا خَرِسَتْ عَنْهُ الْأَلْسُنُ مِنْ عِظَتِكَ بِحَقِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحَقِّ إِمَامَتِكَ؛ إِنَّهُ قَدِ اكْتَنَفَكَ رجالٌ أساؤوا الِاخْتِيَارَ لِأَنْفُسِهِمْ؛ فَابْتَاعُوا دُنْيَاكَ بِدِينِهِمْ، وَرِضَاكَ بِسَخَطِ رَبِّهِمْ، خَافُوكَ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَخَافُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيكَ؛ فَهُمْ حَرْبُ الْآخِرَةِ، سِلْمُ الدُّنْيَا؛ فَلَا تَأْمَنْهُمْ عَلَى مَا ائْتَمَنَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عليه؛ فإنهم لم يَأْلُوا الْأَمَانَةَ إِلَّا تَضْيِيعًا، وَالْأُمَّةَ إِلَّا عَسْفًا، وَالْقُرَى إِلَّا خَسْفًا، وَأَنْتَ مَسْئُولٌ عَمَّا اجْتَرَحُوا وَلَيْسُوا مَسْئُولِينَ عَمَّا اجْتَرَحْتَ؛ فَلَا تُصْلِحْ دُنْيَاهُمْ بِفَسَادِ آخِرَتِكَ؛ فَأَعْظَمُ النَّاسِ غَبْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ. فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: أَمَّا أَنْتَ يَا أَعْرَابِيُّ؛ فَقَدْ نَصَحْتَ، وَأَرْجُو أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعِينُ عَلَى مَا تَقَلَّدْنَا.
614 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ يَقُولُ: -[19]- قَامَ أَعْرَابِيٌّ بَيْنَ يَدَيْ هِشَامٍ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَتَتْ عَلَى النَّاسِ سِنُونُ، أَمَّا الْأُولَى: فَلَحَتْ اللَّحْمَ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَأَكَلَتِ الشَّحْمَ؛ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَهَاضَتِ الْعَظْمَ، وَعِنْدَكُمْ فُضُولُ أَمْوَالٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَاقْسِمُوهَا بَيْنَ عِبَادِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ؛ فَفِيمَ تُحْظَرُ عَلَيْهِمْ؟ ! وَإِنْ -[20]- كَانَتْ لَكُمْ؛ فَتَصَدَّقُوا؛ فَإِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ. فَأَمَرَ لَهُ هِشَامٌ بِمَالٍ، وَقَسَّمَ مَالًا بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ لَهُ مِثْلُ هَذَا؟ قَالُوا: لَا يَقُومُ بِذَلِكَ بَيْتُ الْمَالِ. قَالَ: فَلَا حَاجَةَ لِي فِيمَا أُخِذَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَأْخُذُهُ غَيْرِي. فَمَضَى وَتَرَكَهُ.

الصفحة 18