كتاب المجالسة وجواهر العلم (اسم الجزء: 3)

1077 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، نَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ بِتَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ؛ فَقَالَ: قَوْلُهُ: أَهْدَفْتَ لِي؛ مَعْنَاهُ: أَشْرَفْتَ لِي [يُقَالُ: أَهْدَفَ فُلَانٌ وَاسْتَهْدَفَ لِلشَّيْءِ، إِذَا أَرْبَأَ لَهُ] ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبِنَاءِ المرتفع: هدف، و [أرى] هَدَفَ الرَّامِي مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ ارْتَفَعَ لِلرَّامِي حَتَّى يَرَاهُ. وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَرِهَ أَنْ يُقَاتِلَ أَبَاهُ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ هَيْبَةً لَهُ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَكِنِّي لَوْ أَهْدَفْتَ لِي لَمْ أَصْرِفْ وَجْهِي عَنْكَ، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ فَضَائِلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ؛ لِمَا جَعَلَ الله عز وجل فِي قَلْبِهِ مِنَ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ، وَبِهَذَا وَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ -[470]- أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [المجادلة: 22] . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَحَدٌ عَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ (أَوِ الْإِيمَانَ) أَوِ النُّبُوَّةَ؛ إِلَّا كَانَتْ لَهُ كَبْوَةٌ؛ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَلَعْثَمْ» «» وَالْكَبْوَةُ: أَنْ يَقِفَ سَاعَةً حَتَّى يَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ لَمَّا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي نَبِيٌّ» ؛ قَالَ لَهُ: صَدَقْتَ؛ مُجَاوَبَةً لِقَوْلِهِ، وَلَمْ يَقِفْ سَاعَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُهُ: «لَمْ يَتَلَعْثَمْ» ؛ أَيْ لَمْ يَقِفْ.

الصفحة 469