كتاب المختار في الرد على النصارى

أبا ليعقوب لجاز أن يكون جدا ليوسف، ولو جاز أن يكون جدا وأبا، وكان ذلك لا يوجب نسبا، ولا يوهم مشاكلة في بعض الوجوه، ولا ينقص من عظم، ولا يحط من بهاء، لجاز أيضا أن يكون عما وخالا؛ لأنه إن جاز أن يسميه من أجل المرحمة والمحبة والتأديب أبا، جاز أن يسميه آخر من جهة التعظيم والتفضيل والتسويد أخا، ولجاز أن يجد له صاحبا وصديقا؛ وهذا ما لا يجوزه إلا من لا يعرف عظمة الله، وصغر قدر الإنسان. وليس بحكيم من ابتذل نفسه في توقير عبده، ووضع من قدره في التوفر على غيره. وليس من الحكمة أن تحسن إلى عبدك بأن تسيء إلى نفسك، وتأتي من الفضل ما لا يجب بتضييع ما يجب. وكثير الحمد لا يقوم بقليل الذم. ولم يحمد الله ولم يعرف إلهيته من جوز عليه صفات البشر، ومناسبة الخلق، ومقاربة العباد.
وبعد، فلا يخلو المولى في رفع عبده وإكرامه من أحد أمرين: إما أن يكون لا يقدر على كرامته إلا بهوان نفسه، ويكون على ذلك قادرا، مع وفارة العظمة، وتمام البهاء. وإن كان لا يقدر على رفع قدر غيره إلا بأن ينقص من قدر نفسه فهذا هو العجز، وضيق الذرع. وإن كان على ذلك قادرا فآثر ابتذال نفسه والحط من شرفه فهذا هو الجهل الذي لا يحتمل. والوجهان عن الله جل جلاله منفيان.
ووجه آخر تعرفون به صحة قولي، وصواب مذهبي. وذلك أن الله تبارك وتعالى لو علم أنه قد كان فيما أنزل من كتبه على بني إسرائيل: إن أباكم كان بكري وابني، وإنكم أبناء بكري، لما كان تغضب عليهم إذ قالوا: {نحن أبناء الله}، فكيف لا يكون ابن ابن الله ابنه، وهذا من تمام الإكرام، وكمال المحبة، ولا سيما إن كان قال في التوراة: بنو إسرائيل أبناء بكري. وأنت تعلم أن العرب حين زعمت أن الملائكة بنات الله كيف استعظم الله

الصفحة 74