كتاب مختصر كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة

قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} عن سعيد بن جبير: "يعني الرجوع خير لكم من القيام والقعود على أبوابهم" (¬١).
- ثامنا: ومن القرائن في الآية أن الأمر بغض البصر جاء فيها مبعضا بـ "من" التبعيضية أي الغض من البصر لا غض البصر كلّه، مما يدل أيضا على أن الأمر في هذه الآية متعلق بمن يحل لهم النظر، لأن الرجال الأحرار الأجانب أنزل الله في سورة الأحزاب منعهم من النظر بالكلّية إلى النساء الأجنبيات الحرائر بضرب الحجاب بينهم ومنعهم من الدخول عليهن في البيوت، ولحرص الشارع الحكيم على قطع أسباب الزنا أمر من أُبيح لهم الدخول والنظر الغضّ من البصر، سواء كان النظر للمحارم، أو للإماء اللاتي لم يُفرض عليهن الحجاب، أو نظر العبيد ونحوهم للوجه والكفين من النساء الحرائر:
قال الطبري في تفسيره جامع البيان (١٨/ ١١٦): قال يغض من بصره أن ينظر إلى ما لا يحل له إذا رأى ما لا يحل له غض من بصره لا ينظر إليه ولا يستطيع أحد أن يغض بصره كله إنما قال الله (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم).
قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن (١٢/ ٢٢٢): ولم يذكر الله تعالى ما يغض البصر عنه ويحفظ الفرج غير أن ذلك معلوم بالعادة وأن المراد منه المحرم دون المحلل وفي البخاري وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن قال اصرف بصرك، يقول الله تعالى
---------------
(¬١) تفسير ابن أبي حاتم ٨/ ٢٥٦٨.

الصفحة 259