كتاب مختصر كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة

(٣) وكذلك حمْل المراد من قوله {إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} في هذه الآية على أنه الزوج، لأنه من المعلوم أن الزوج يحل له النظر إلى جميع بدن الزوجة؛ وهذا يضعف أن يكون هو المراد في هذا الموضع الذي ذُكر فيه من يحل لهم النظر إلى بعض المواضع من جسدها دون بعض، ولما كان البعل هو الزوج والسيد في كلام العرب؛ فالصواب والله أعلم أن المراد بالبعل في هذه الآية؛ السيّد بالنسبة للأمة التي لها زوج، فإن الأمة غير المتزوجة يحل لسيدها منها ما يحل له من زوجته،
وهذا جاء بيانه في قوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٥ - ٦] ولكن لما كانت الأمة قد تكون ذات زوج فلا يحل لسيدها منها إلا ما يحل له من ذات المحرم؛ اندرج حكم سيدها في هذه الآية فيمن لا يحل له إلا رؤية الزينة من المرأة. (¬١) ولذلك لم يؤثر عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه قال بأن المراد بالبعولة في هذه الآية الأزواج، بل جاء ما ينفي ذلك وهو قول ابن عباس في قوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} قال " الزينة التي تبديها لهؤلاء الناس قرطاها وقلادتها وسواراها؛ فأما خلخالها ومعضدتها ونحرها وشعرها فلا تبديه إلا لزوجها" فهذا القول من ابن عباس شاهد على أن الزوج لم يدخل في هذه الآية. ومما يشهد لذلك أيضا أن الله تعالى لم يذكر البعولة في آية الحجاب في سورة الأحزاب {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا
---------------
(¬١) قال البيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٩٤): والسيد معها إذا زوجها كذوي محارمها.

الصفحة 265