كتاب مختصر الصارم المسلول على شاتم الرسول

والقول الثاني: أنه ليس من السبِّ الذي ينقض العهد؛ لأنهم لم يُظهروا السبَّ ولم يجهروا به، وإنما أظهروا التحيَّة والسلام لفظًا وحالًا وحذفوا "اللام" حَذْفًا خفيًّا يَفْطُن له بعض السامعين، وقد لا يُفْطَن له (¬١)، ولهذا أُمِرْنا أن نردَّ عليهم، وجعل ذلك شرعًا باقيًا فينا، وهذا قول جماعةٍ من المتقدمين من أصحابنا وغيرهم.
ولا يقال: هذا دعاءٌ بالموت وهو حقٌّ ليس بسبٍّ. فإن الدعاء على المسلمين بالموت وترك الدين من أعظم السبِّ، كما أنَّ الدعاءَ بالصحة والسلامة كرامة.
النوع الثاني (¬٢): الخبر، فكلُّ ما عدَّه الناسُ شتمًا وسبًّا أو تنقُّصًا، فإنه يجب به القتل كما تقدم، فإن الكفر ليس مستلزمًا للسبِّ، والكلمةُ الواحدةُ تكون في حالٍ سبًّا وفي حالٍ ليست بسبٍّ، فعُلِمَ أنه يختلف باختلاف الناس والأحوال والأقوال، وإذا لم يكن للسبِّ حدٌّ لغويٌّ ولا شَرْعي رُجِعَ فيه إلى العُرْف، فما كان سبًّا في عُرْف الناس حُمِل عليه كلام الصحابة والعلماء وإلا فلا، ونحن نذكر من ذلك أقسامًا فنقول:
لا شكَّ أن إظهار التنقُّص والاستهزاء به عند المسلمين سبٌّ؛ كالتسمية باسم الحمار والكلب، أو وصفه بالمسكنة والخِزْي والمهانة، والإخبار بأنه في العذاب وأنّ عليه آثام الخلائق، وكذلك إظهار التكذيب على وجه الطعن في المكذَّب؛ مثل وصفه بأنه ساحر خادع محتالٌ، وأنه يضرُّ من اتبعه، فإن نَظَمَ ذلكَ شِعرًا فهو أبلغ في الشتم، فإنه يُحْفَظ.
---------------
(¬١) في "الصارم": (٣/ ١٠٠٧): "وقد لا يفطن له الأكثرون".
(¬٢) "الصارم": (٣/ ١٠٠٩).

الصفحة 109