كتاب المختصر الكبير في سيرة الرسول

[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يذكر أموراً كَانَت فِي مقَامه ذَلِك، وَنظر إِلَى الدَّار حِين هَاجر إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ: هَا هُنَا نزلت بِي أُمِّي، وَفِي هَذِه الدَّار قُبِر أبي عبد الله، وأحسنتُ العومَ فِي بِئْر بني عَديّ بن النجار.
وَكَانَ قومٌ يَخْتَلِفُونَ ينظرُونَ إِلَيْهِ، فَقَالَت أُمُّ أَيْمن: فسمعتُ أحدَهم يَقُول: هُوَ نبيُّ هَذِه الأُمّة، وَهَذِه دَار هجرته، فوَعيْتُ ذَلِك كلَّه من كَلَامه. ثُمَّ رجعَتْ بِهِ أمُّه إِلَى مكّة، فلمّا كَانُوا بالأَبْواء تُوفِّيت آمِنَة بنت وهب، ودُفنت هُنَاكَ، فرجعتْ بِهِ أُمُّ أَيمن على البعيرَيْن اللذيْن قدمِوا عَلَيْهِمَا إِلَى مكّة. فَلَمَّا مرَّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي عُمرة الحُدَيْبيّة بالأَبْواء قَالَ: إنّ الله قد أذِنَ لمحمدٍ فِي زِيَارَة قبر أمّه، فَأَتَاهُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فأصلحه، وَبكى عِنْده، وَبكى الْمُسلمُونَ لبكاء رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقيل لَهُ، فَقَالَ: أدركَتْني رحمتُها فبكيتُ.
وَقيل: تُوفّيت آمنةُ أُمُّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِمَكَّة، ودُفنت فِي شِعبٍ من شِعاب الحَجون بمكَّةَ. حَكَاهُ ابْن الْأَثِير قَالَ: وَهُنَاكَ حطَّ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على ابْن مَسْعُود لَيْلَة الجِنِّ. وَقيل: توفيت وَله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ثَمَان سِنِين، وَقيل: سبعٌ، وَقيل: أربعٌ. والمشهورُ مَا حكيناه أَولا من أَنَّهَا توفيت بالأَبْواء وَرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ابْن ستِ سِنِين، وَبِذَلِك جزم ابْن سعد وَابْن فَارس وَالشَّيْخ شرف الدّين الدمياطيّ، وَغَيرهم، رَحِمهم الله تَعَالَى.

الصفحة 27