واختلف في تفسير فوله تعالى: {كمثله} والمراد من (الكاف) ومن (مثله) فقيل: المراد بذكر المثل هنا المبالغة في النفي بطريق الكناية فإنه إذا نفى عمن يناسبه كان نفيه عنه أولى كقولهم: مثلك لا يبخل وغيرك لا يجود.
وقيل: إن الكاف زائدة للتأكيد لأنه تعالى لا مثيل له وهو المشهور عند المعربين.
وقيل: إن (مثل) زائدة قاله ثعلب وغيره، كما في قوله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} (البقرة: 137) . أي آمنوا بما آمنتم به.
والأول أولى: فإن الكناية باب مسلوك عند العرب ومَهْيَعٌ مألوف لهم. قال ابن قتيبة: العرب تقيم المثل مقام النفس فتقول مثلي لا يقال له هذا، أي أنا لا يقال لي.
وقيل المراد بالمثل الصفة، وذلك أن (المثْل) بمعنى المَثَل، والمَثَلُ الصفة كقوله تعالى: {مثل الجنة} فيكون المعنى ليس مثل صفة الله سبحانه وتعالى شيء من الصفات، المعنى ليس يشبه ولا يماثله شيء من المخلوقات لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء لانفراده وتوحيده بالكمال من كل وجه، ومن فهم هذه الآية الكريمة حق فهمها وتدبرها مشى بها عند اختلاف المختلفين في الصفات على طريقة بيضاء واضحة، ويزداد بصيرة إذا تأمل معنى قوله تعالى: {وهو السميع البصير} ، فإن هذا الإثبات بعد ذلك النفي للمماثل قد اشتمل على برد اليقين وشفاء الصدور وانثلاج القلوب، فبهذه الحجة والبرهان القوي يتحطم كثير من البدع ويرغم بها أنوف طوائف من القاصرين المتكلمين، والمتكلفين المتأولين، ولا سيما إذا ضم إليه قوله سبحانه وتعالى: {ولا يحيطون به علماً} (طه: 0 11) .
وقوله: {وهو السميع البصير} أي وهو سميع لما ينطق به خلقه على اختلاف لغاتهم وتفنن حاجاتهم. البصير الذي أحاط بصره بجميع المبصرات، فيرى النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، ويرى سريان القوت في أعضاء الحيوانات الصغيرة، وسريان الماء في الأغصان. (1)
__________
(1) - راجع (الأسئلة والأجوبة الأصولية) للشيخ عبد العزيز المحمد السلمان ص52 - 53