العلم والعمل. قالوا: فتعلمنا القرآن والعمل معاً جميعاً، ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة. وقال أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد في أعيننا (1) . وأقام ابن عمر على حفظ البقرة ثماني سنين (2) ، وذلك أن الله قال: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} (ص: 29) وقال: {أفلا يتدبرون القرآن} (محمد: 24) وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن وأيضاً فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحونه، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم. وقيام دينهم ودنياهم!
ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلا جداً، وهو وإن كان بين التابعين أكثر منه بين الصحابة، فهو قليل بالنسبة إلى ما بعدهم ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة، وربما تكلموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال والخلاف بين السلف في التفسير قليل، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد" ا. هـ. من الإتقان في علوم القرآن للسيوطي. (3)
ويقول ابن تيمية أيضاً (4) : "فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في الآية تفسير، وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين صار مشاركاً للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا، وفي الجملة: من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيراتهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئاً في ذلك بل مبتدعاً، لأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله"ا. هـ. بتلخيص السيوطي.
** وفي الجوانب العملية من الدين:
فإن ما ورد عن الصحابة - رضي الله عنهم - من الآراء الفقهية والأحكام الدينية والأقوال الاجتهادية لها مكانتها عند السلف الصالح ومن تابعهم من بعدهم.
____________
(1) - رواه أحمد في مسنده.
(2) - أخرجه في الموطأ.
من الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ط. دار التراث القاهرة ج4/ص175 – 176 وراجع في ذلك مقدمة في التفسير لابن تيمية.
(3) - ص175 – 176
(4) - المصدر السابق: ص180.
والمعتمد عند علماء أهل السنة والجماعة أن تفسير القرآن على مراتب أولها تفسير القرآن بالقرآن، حيث إن من الآيات القرآنية ما تبين ما أغمض أو أجمل أو أبهم في بعض آيات القرآن. وبعد ذلك تفسير القرآن بالسنة ففيما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيان شاف لآيات القرآن، يلي ذلك ما ورد عن الصحابة - رضي الله عنهم - في تفسير آيات القرآن، ثم من بعدهم ممن أخذ عنهم من كبار التابعين.