كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

وذلك على مراتب وأحوال:
فما أجمع عليه الصحابة من الأحكام الفقهية فهو حجة ملزمة، فالإجماع حجة، وأقوى الإجماع إجماع الصحابة، لذا فهناك إجماع على حجيته. فـ"لم يتفق الفقهاء على إجماع إلا إجماع الصحابة، فإن إجماعهم في الأحكام الشرعية ثبت بالتواتر، ولذلك لم يختلف في إجماعهم أحد، حتى الذين يستبعدون حدوث الإجماع يلموا بإجماع الصحابة". (1)
أما ما اختلفوا فيه من الأحكام الفقهية وتعددت الآراء المنقولة عنهم فيها فكان السلف يتتبعون أقوالهم فيأخذون قولاً منها يعملون به، حتى ذهب البعض إلى منع الخروج عن مجموع ما ورد عنهم من الأقوال، "فإذا كان قد أثر عن بعضهم رأي وأثر عن البعض الآخر رأي يخالفه، فالخروج عن مجموع آرائهم خروج عن جمعهم". (2)
"هذا وإن المأثور عن الأئمة الأربعة أنهم كانوا يتبعون أقوال الصحابة ولا يخرجون عنها، فأبو حنيفة يقول: "إذا لم أجد في كتاب الله تعالى أخذت بقول أصحابه، آخذ بقول من شئت، وأدع من شئت منهم، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم". ولقد قاله الشافعي في الرسالة برواية الربيع وهي من كتابه الجديد (3) : "ولقد وجدنا أهل العلم يأخذون بقول واحد - أي الصحابة- مرة ويتركونه أخرى، ويتفرقون في بعض ما أخذوا منهم، قال: - أي مناظره- فإلى أي شيء صرت من هذا؟ قلت: اتباع قول واحدهم إذا لم أجد كتاباً ولا سنة ولا إجماعاً ولا شيئاً في معناه يحكم".
ويقول في كتابه "الأم" برواية الربيع أيضاً وهو كتابه الجديد (3) : "إن لم يكن في الكتاب والسنة صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو واحد منهم، ثم كان قول أبي بكر وعمر (4) أو عثمان إذا صرنا فيه إلى التقليد أحب إلينا، وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة اتبع القول الذي معه الدلالة".
__________
(1) - أصول الفقه لمحمد أبو زهرة ط. دار الفكر العربي القاهرة ص167 – 168.
(2) - أصول الفقه لأبي زهرة ص169.نقلاً من المصدر السابق ص170
(3) - أي مذهبه الجديد. وانظر الأم جـ7/ص247
(4) - وفي الحديث: اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر.

الصفحة 113