الثالث: أن يكون فهمها من آية من كتاب الله فهماً خفى علينا.
الرابع: أن يكون قد اتفق عليه ملؤهم ولم ينقل إلينا إلا قول المفتي وحده.
الخامس: أن يكون رأيه لكمال علمه باللغة دلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنا، أو لقرائن حالية اقترنت بالخطاب أو لمجموع أمور فهمها على طول الزمان من رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ومشاهدة أفعاله وأحواله، وسيرته وسماع كلامه والعلم بمقاصده وشهود تنزيل الوحي ومشاهدة تأويله بالفعل فيكون فهم ما لم نفهمه نحن، وعلى هذه التقارير الخمسة تكون فتواه حجة علينا.
السادس: أن يكون فهم ما لم يروه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخطأ في فهمه، وعلى هذا التقرير لا يكون قوله حجة ومعلوم قطعاً أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين، هذا مما لا يشك فيه عاقل، ولذلك يفيد ظناً غالباً قوياً على الصواب في قوله - صلى الله عليه وسلم - وليس المطلوب إلا الظن الغالب والعمل به متعين ويكفي العارف هذا الوجه" (1) .
والصحابة على علمهم ليسوا بمعصومين كأفراد - وإن كان إجماعهم معصوما- فإذا كانت الأمة لا تجتمع على ضلالة فأولى الأمة بذلك جيل الصحابة. أما الواحد منهم فليس معصوماً من الخطأ في الاجتهاد، فيرد خطؤه إن تبين بطلانه، ويعذر في ذلك، ويبقى الاتباع للكتاب والسنة.
يقول شارح الطحاوية في بيان حال السلف تجاه ما ثبت خطؤه من أقوال أحد الصحابة: "ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلابد له من تركه من عذر. وجماع الأعذار ثلاثة أصناف:
أحدها: عدم اعتقاده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله.
والثاني: عدم اعتقاده أنه أراد تلكم المسألة بذلك القول
والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.
فلهم الفضل علينا والمنة بالسبق، وتبليغ ما أرسل به الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلينا، وإيضاح ما كان يخفى علينا"ا. هـ. (2)
__________
(1) - أصول الفقه لأبي زهرة: ص169 – 170
(2) - شرح العقيدة الطحاوية ص337ط. أحمد شاكر. وانظر (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.