ومن مظاهر حرص الصحابة رضي الله عنهم على وحدة الصف وتقوية الجماعة وتجنب الفرقة والاختلاف: -
1- تضييق الخلاف حول الأحق بالخلافة في سقيفة بني ساعدة إذ ترك الأنصار طلب الخلافة واجتمع الجميع على إمامة أبي بكر الصديق. ومشاركة الجميع في قتال المرتدين وقتال مانعي الزكاة حتى عاد الحق إلى نصابه.
2- رفض عثمان - رضي الله عنه - دفاع الصحابة عنه لما حاصره الثوار في بيته خشية سفك دماء المسلمين ودرأ للفتنة وسعيا لإخمادها. فقتل - رضي الله عنه - مظلوما.
3- تنازل الحسن بن علي - رضي الله عنه - عن الخلافة راضيا مختارا لمعاوية بن أبي سفيان لما رأي اجتماع أهل الشام عليه ومنعتهم وتفرق أتباعه واختلافهم عليه، وذلك جمعا للكلمة وحقنا للدماء ودفعا للتنازع والفرقة. حتى سمي عام التنازل (عام الجماعة) . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن - رضي الله عنه -: (إن ابني هذا سيدُُ، وسيصلح الله به بين طائفتين من المسلمين) فكان كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيا: أهل الحديث
وهم الآخذون بعلم الصحابة - رضي الله عنهم - والناقلون لما كانوا عليه من أمور الدين، وعرفوا أيضاً بأنهم أهل الأثر (وهذا النسبة إلى الأثر أي الحديث وطلبه واتباعه) . وامتد ظهورهم من عصر الصحابة إلى عصر بني أمية وفترة من حكم العباسيين. وخلالها كان الاهتمام بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة وتفسيراتهم واجتهاداتهم مع حفظها، حفظ صدر، وحفظ كتابة، والعمل بما جاء فيها، فهم أهل نقل ودراية، واتباع واقتداء، وحرص على الالتزام بالدين كما نقله إليهم صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذوه عنهم.
لقد سار أهل الحديث من التابعين وتابعيهم بالقافلة الإسلامية الكبرى مهتدين بكتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مقتفين آثار السلف الصالح، لا يلتفتون إلى من تنحى عن القافلة وخرج عن مسارها من أهل البدع والأهواء، ولم يأبهوا أول الأمر بالعقائد والآراء المنافية للصواب، مطمئنين إلى أغلبيتهم العددية إذ هم جمهور المسلمين. ولكن لما استفحل الخطر بعد ذلك دخلوا الميدان مدافعين عن الحق أمام الباطل. (1)
__________
(1) - انظر المرجع السابق: ص 292.