كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

ولما كان الاجتماع على رأي واحد في كل المسائل الفرعية العلمية متعذراً فإن الله سبحانه وتعالى أمر برد الاختلاف إلى كتابه وسنة رسوله، وقد أمر أيضاً بأن يعذر بعضنا بعضاً فيما لم نستطع التوصل فيه إلى رأي واحد، وكان هذا هو منهج الصدر الأول من سلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم يختلفون أحياناً، ولكن يعذر بعضهم بعضاً ولا يتعصبون لأقوالهم، ويردون ما اختلفوا فيه إلى الله ورسوله. وكان هذا أيضا ًشأن أئمة الإسلام الأعلام وفقهاء الإسلام في جميع الأقطار، ومن هؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم، يفتون ولا يتعصبون، ويدعون تلاميذهم إلى نبذ التعصب لأقوالهم وأخذ الحديث والحجة أينما وجد وترك آرائهم وأقوالهم إذا خالفت الدليل. ولذلك استمرت وحدة الأمة التشريعية الفقهية زماناً طويلاً.
ولكن نشأ في المسلمين من حرم الاجتهاد والرجوع إلى الكتاب والسنة (2) ، وحرم استخدام الدليل زعماً أن فهم الدليل والحجة قد ولى، وحرم على الناس العمل إلا بأقوال الأئمة الأربعة. انتشرت هذه البدعة المقيتة في زمان ضعف الأمة (3) .
وإلى اليوم ورغم التنادي من كل مكان بوجوب تنظيم معاملاتنا وفق الكتاب والسنة، فإن هناك من لا يزال يعيش بعقلية التقليد والجمود، ويأبى إلا أن يظل المسلمون في فوضى تشريعية، ويزعم أن كل قول في الدين يجوز الأخذ به، ومن يزعم أن الاجتهاد باطل، وأن الدين محصور فيما دونه الأئمة الأربعة فقط (1) ومن يتهم الدعاة السلفيين بمعاداة الأئمة الأربعة. وأن من أخذ بالدليل ورجع إلى الكتاب والسنة فهو مبطل مبتدع. أقول مازال في المسلمين من يعتقد هذا ويدعو الناس إلى ذلك.
ومعلوم يقيناً أن لكل إمام الرأي والرأيين في المسألة الواحد، كما نقول: قال الشافعي في القديم وقال في الجديد، بل والثلاثة والأربعة، إن كثيرا ًمن المسائل الفقهية العملية فيها اختلاف واضح وإذا كان هناك اختلاف بين الفقهاء في هذه
__________
(1) - نودي من بعد القرن الرابع الهجري بقفل باب الاجتهاد في الدين.
(2) - نودي بإلزام كل مسلم نفسه باتباع مذهب من المذاهب الأربعة لا يخرج عنه في كل أحكام الدين.
(3) - ولد الإمام أبو حنيفة عام 80هـ وتوفي عام 150هـ (669م – 767م) وولد الإمام مالك عام 93هـ وتوفي عام 179هـ (712م – 795م) ولد الشافعي عام 150هـ وتوفي 204هـ (767م – 820م) وولد الإمام أحمد عام 164هـ وتوفي عام 241هـ (780م – 855م) .

الصفحة 184