كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

المسائل فكيف يكون العمل إن قلنا نختار قول إمام واحد كان هذا التعصب، وليس هذا الإمام الواحد معصوماً حتى نأخذ جميع أقواله في جميع معاملاتنا.
وإن قلنا بجميع الأقوال كان هذا تناقضاً واختلافاً. فكيف يحكم القاضي فيمن تزوجت دون إذن وليها؟ فبعض المذاهب يجيز ذلك، ويرى العقد مع هذا صحيحاً، وآخرون يرون العقد مع عدم إذن الولي باطلاً يجب فسخ الزواج سواء قبل الدخول أو بعده... فما العمل؟
وإن قلنا نرجح بين الأقوال: فكيف نرجح، إن كان بالهوى والتحكم فليس الهوى من الدين؟ وإن كان الترجيح بالدليل والحجة فهذه هي السلفية.
وهو الحق: الترجيح بين أقوال الأئمة المتعارضة، وأخذ أقربها إلى الحق في نظرنا، والبحث عن الدليل دائماً، وهذا هو الميزان الضابط لوحدة الأمة في أمورها التشريعية.
وهذا جانب من جوانب الدعوة السلفية. الدعوة إلى وحدة الأمة التشريعية في أمورها العملية، وذلك بحب الأئمة الأربعة وغيرهم جميعاً، والنظر إليهم نظرة سواء، وأخذ الأقوال المؤيدة بالدليل، والتي نرى أنها الحق، وعدم التعصب لواحد منهم دون الآخر، مع الاعتراف بفضلهم وعملهم وجهادهم والتتلمذ على كتبهم، ودراسة مناهجهم في الفقه، وأخذ أقوالهم والعمل بها ما لم تخالف الدليل من كتاب أو سنة. وبهذا أمرونا هم ودعونا إلى ذلك.
وهذا هو المخرج الحقيقي من تمزق الأمة التشريعي وفرقتها العملية، ومعنى ذلك أنه لابد أن ينشأ في الأمة العلماء المجتهدون العاملون الذين يستوعبون مرحلتهم الراهنة، ويفقهون أوضاع المسلمين الحاضرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والخلقية، ويوضحون للمسلمين في هذه الأحوال ما وافق الكتاب والسنة، مسترشدين بعلم الأئمة الأعلام والفقهاء الكرام غير متعصبين لأحد منهم دون الآخر، وإنما يكون ولاؤهم للحق وتمسكهم بالدليل، فهم مع الحق لا مع الرجال، يعرفون الحق بدليله، ولا يعرفون الحق بقائله وهذا أبرز جوانب الدعوة السلفية وأكثرها وضوحاً ولمعاناً. أنهم طلاب حق يطلبونه بالدليل. ومع تقديرهم واحترامهم لأهل الفضل والعلم، فإنهم مع ذلك لا يقبلون أقوالهم إذا تحقق لديهم أنها تخالف الدليل.

الصفحة 185