كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

وهناك دعوات اتخذت طابع تهذيب النفس وتطهيرها بمحاربة مظاهر الحرص على الدنيا والعمل لها والانشغال بها فآثرت الزهد والعزلة.
وكل دعوة تقف عند جزئية من الجزئيات تغالي فيها، ويبقى أفرادها في دوائر ضيقة من العلم والعمل، وربما خالطهم أهل الأهواء ونيات فاسدة من محبي الظهور والمدح.
والمحصلة: البعد عن الإطار العام من دعوة الإسلام الشاملة. وشتان ما بين حال هؤلاء وحال السلف الأول من الصحابة - رضي الله عنهم - في فهمهم للإسلام والعمل به فقد كان فهمهم فهماً عميقاً شاملاً.
ولهذا فالحاجة ملحة في هذا الزمان إلى عرض الإسلام والدعوة إليه والعمل به في صورة مبرأة من الشوائب والتشويه، صورة شاملة تستوعب جميع الجوانب والأجزاء، مع حفظها مترابطة، وحفظ نسبها ومواقعها إلى بعضها البعض، وهذه الصورة ليست جديدة ولا مبتدعة، ولكنها صورة قديمة، وردت في القرآن الكريم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج: 77) . فعبادة الله فيها الركوع والسجود، والعبادة من فعل الخير، ولكن ورود الأمر بالعام بعد الأمر بالخاص فيه تنبيه على فعل كل خير، وإتيان كل عبادة، بجوار الركوع والسجود. أي العمل بكل أعمال الإسلام.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} (البقرة: 208) .
قال ابن عباس وغيره: {ادخلوا في السلم} يعني الإسلام {كافة} يعني جميعاً. وقال مجاهد: أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر.
فهذا أمر من الله تعالى لأهل الإيمان بالعمل بالإسلام كله.
قال ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك". ا. هـ.
قال الآلوسي رحمه الله: "والمعنى: ادخلوا في الإسلام بكليتكم، ولا تدعوا شيئاً من ظاهركم وباطنكم إلا والإسلام يستوعبه، بحيث لا يبقى مكان لغيره".

الصفحة 194