كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

وتعظيم الشعائر، وتصبح الشريعة ألعوبة في يد المنحرفين عن أحكامها، يعظم أحدهم ما يهمله الآخر بل أخطر من ذلك انتقال هذا التساهل إلى أصول الدين ومسائل العقيدة والتوحيد.
إن قسمة الدين إلى قشر ولب تؤثر في قلوب العوام أسوأ تأثير، وتورثهم الاستخفاف بالأحكام الظاهرة، وينتج عنها الإخلال بهذه التي سميت قشوراً، فلا يلتفتون إليها، ولا يبالون بمخالفتها وترك العمل بها (1) .
ولا يخفى أن الله سبحانه أنزل دينه على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليبني به الإنسان المسلم، فيكون به سعيداً في الدنيا والآخرة، ولا يخفى على ذي عقل أن كل أمر ونهي من أوامر هذا الدين ونواهيه تسهم إسهاماً فعالاً في بناء هذا الإنسان، سواءاً أكانت من المندوبات أم من الواجبات، وسواءاً أكانت من المكروهات أم من المحرمات، لأن جميع هذه الأحكام هي شعب الإيمان التي قال فيها - صلى الله عليه وسلم -: (الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) (2) . فأيما شعبة نقصت منها كانت نقصاً من الإيمان، وأيما شعبة التزمها المسلم كانت زيادة في إيمانه، لأن الإيمان يزيد وينقص بالقول والعمل، وهو مذهب السواد الأعظم من الأمة.
فإن قيل: واقعنا المعاصر والفتن والمصائب النازلة بالمسلمين، والمؤامرات والهجمات التي توجه إليهم، توجب علينا تقديم وحدة الصف المسلم، وجمع كلمة المسلمين على النظر في خلافات العلماء في مسائل الفروع، وشغل الناس بشكليات ومظاهر. فالواجب الآن التركيز على مسائل الدين المجمع عليها وأصوله المتفق عليها وترك ما سواها، خاصة وأن مسائل الخلاف في الفرعيات قديمة، وأقوال العلماء فيها متضاربة، وترجيح أحدها ليس بالسهل ويستهلك أوقاتاً أولى أن تصرف الآن في حماية الإسلام من الزوال والمسلمين من الاستئصال، بل إن هذا الخلاف في الشريعة رحمة وتوسعة، فيأخذ كل إنسان منها ما يناسبه دون أن ينكر أحد على أحد، ولسنا جميعاً علماءً، فلا عيب علينا ولا انتقاص إن اتبعنا أقوال غيرنا من أهل العلم وأئمة الدين.
___________
(1) - راجع في ذلك: "أدلة تحريم حلق اللحية" للشيخ محمد بن إسماعيل ص109 و"رسالة تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب" ط. دار الفرقان – القاهرة – الطبعة السابعة 1405 هـ.
(2) - رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة.

الصفحة 197