كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

وضابط المتباينين تباين المخالفة أن تكون حقيقة كل منهما في حد ذاتها حقيقة الآخر ولكنهما يمكن اجتماعهما عقلاً في ذات أخرى: كالبياض والبرودة، والكلام والقعود، والسواد والحلاوة.
فحقيقة البياض في حد ذاتها تباين حقيقة البرودة، ولكن البياض والبرودة يمكن اجتماعهما في ذات واحدة كالثلج، وكذلك الكلام والقعود، فإن حقيقة لكلام تباين القعود، مع إمكان أن يكون الشخص الواحد قاعداً متكلماً في وقت واحد.
وهكذا فالنسبة بين (جهاد الأعداء ومواجهة تآمرهم) وبين (الدعوة إلى الفروع والتمسك بها وتعليمها للناس) من هذا القبيل، فكما أن الجرم الأبيض يجوز أن يكون بارداً كالثلج، والإنسان القاعد يجوز عقلاً أن يكون متكلماً، والتمرة السوداء يجوز عقلاً أن يكون مذاقها حلواً، فكذلك المتمسك بالفروع يجوز عقلاً أن يواجه أعداءه ويجاهدهم، إذاً لا مانع في حكم العقل من كون المحافظ على أوامر الله واجتناب مناهيه مشتعلاً بجهاد أعدائه بكل ما في طاقته كما لا يخفى (1) ، وكما عرفه التاريخ لنبينا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
أما بالنظر إلى أدلة الكتاب والسنة كقوله تعالى: {ولنصرن الله من ينصره} (الحج: 40) وقوله عز وجل: {إن تنصروا الله ينصركم} (محمد: 7) وغير ذلك من النصوص. فإن النسبة بين التمسك بالشعائر الإسلامية بالدين هو ملزوم النصرة، بمعنى أن يلزم عليه الانتصار كما صرحت الآيات وهؤلاء المخالفون أظهروا للناس أن الربط بين الملزوم ولازمه كالتنافي الذي بين النقيضين والضدين، وهؤلاء بدورهم أذعنوا لهم لسذاجتهم وجهلهم، وأنتج ذلك نفرة في قلوبهم بمجرد سماع من يتكلم في الفروع إيهاماً له بأنه يبطل بذلك الجهاد. هذا وإن من البديهي أن فاقد الشيء لا يعطيه "ولا يستقيم الظل والعود أعوج".
والدولة المسلمة لن تقوم إلا على أكتاف أولى العزم الذين يلتزمون بكافة أحكام الشرع، ويوافقونها في ظاهرهم وباطنهم لقوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الرعد: 11) .
__________
(1) - بل هذا أرجى - لما فيه من تقوى الله - لتأييد الله ونصره، وهزيمة الأعداء.

الصفحة 200