كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

فالجواب:
بينا منذ قليل أهمية سلامة القلب وإخلاص العمل لله، وأن ذلك شرطاً صحة العمل. وبينا أن موافقة العمل للشرع شرط ثاني في صحة العمل.
وهذا الحديث لا يخالف ما بيناه فهو لم يقصر قبول الله عز وجل للعبد على قلبه فقط ولكن على عمله أيضاً، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ولكن ينظر إلى قلوبكم) وهذا الشرط الأول لصحة العمل. ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: (وأعمالكم) . وهذا هو الشرط الثاني الذي ذكرناه. فالحديث حجة على المخالف لا له.
فإن قيل: أليس من فقه الداعية أن يراعي أولويات الدعوة، وأن يقدم الأهم على المهم، والواجبات قبل المندوبات، وكبائر الذنوب على صغائرها. وذلك كله للمصلحة بتقديم أهم الأمرين، وتحقيق أعظم المعروفين، وتفويت أكبر الضررين. فهذا من جنس هذا. أي أن تقسيم الدين إلى قشور ولباب بحسب أحوال الناس من جنس هذا التقديم للأولويات والاعتناء بالأهم.
فالجواب:
أن تقديم شيء على شيء، لا يعني إهمال الدعوة للآخر، ولكنه بدء بالأهم، ليتمثل به، ثم يتبعه الأمر بالثاني. وهذا التقديم مراعاة للأولوية يرجع إلى فقه الداعية وحالة المدعو.
فالأمر بأداء الصلاة المتروكة مقدم على الأمر بصيام التطوع مثلاً.
والنهي عن شرب الخمر مقدم على النهي عن تأخير الصلاة لآخر وقتها مثلاً وهذا في حق الفرد الواحد.
ولكن مع الامتثال الأول فلا مانع من الانتقال إلى الدعوة إلى الأمر الثاني.
أما في حق المجتمع ككل والدعوة عامة، فتكون الدعوة شاملة لكل واجبات الدين ومندوباته ومتضمنة النهي عن كل محرمات الدين ومكروهاته، وبيان ذلك كله للأمة داخل في الدين لينقل إلى الناس كاملاً ويعمل به في الأمة تاماً.
فتبليغ كل الدين مطلب شرعي وواجب كفائي.
وفي الحديث: (بلغوا عني ولو آية فرب مبلغ أوعى من سامع) .

الصفحة 205