كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

وفي الحديث: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة) (1) .
4- أن التفريط في الأمر الصغير يؤدي إلى التفريط في الأمر الكبير، لأن استمرار هذا التفريط ينشئ في الإنسان عادة تنتهي به إلى التهاون فيما يفعل، والأمة كلها تعلم أن هناك كثيراً من عرى الدين وأحكام الإسلام مُقصَاة عن واقعهم، ولا يستطاع الوصول إليها أو التحدث عنها، وبعض هذه العرى مما يترتب عليه إقامة حكم الله في الأرض، وحماية بيضة الإسلام، فهل من الحكمة والإيمان معاً أن يترك الداعية الدعوة إلى ما بقى من عرى الدين وأحكام الإسلام - وأغلبها مما يدخل في عداد القشور بزعمهم - بعذر أنه لا يقدر على هذه أو تلك منها؟ إنه لقول عجاب، وأي الأمرين يكون أحسن، أن يدع القادر على البعض، هذا البعض المقدور على فعله، للبعض غير المقدور عليه؟ أو يدع غير المقدور عليه للمقدور عليه فيفعله؟
5- أن هذا التفريق لم يعرف في سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، فقد كانوا أحرص الناس على الاستجابة لكل أمر فيفعلوه، وعلى كل نهي فيجتنبونه، تحقيقا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه) .
لقد نشأت هذه المقولة الحادثة من خضوع العقل المسلم للثقافات الغريبة التي أخذت عليه أقطاره وسدت عليه طرائقه التي وصلت به من قبل إلى الهدى والحق، وخير الهدى ما استقر عليه الأمر في القرون المفضلة الأولى التي عاشت بالإسلام كله عقيدة وشريعة.
__________
(1) - رواه أحمد وابن حبان والحاكم عن أبي أمامة بسند صحيح.

الصفحة 207