وقتل الجهم (*) على يد سالم بن أحوز بأصبهان وقيل بمرو وكان سالم يومئذ نائبها. ثم تقلد هذه المقالة المخذولة عن الجهم بشر بن غياث بن أبي كريمة المريسي المتكلم شيخ المعتزلة، وأحد الذين أضلوا الخليفة المأمون (*) العباسي وجدد القول بخلق القرآن، وتقلد هذه المقالة الباطلة عن بشر القاضي أحمد بن أبي دؤاد، وأعلن هذه المقالة الجهمية، وحمل الخليفة المأمون على امتحان الناس بالقول بخلق القرآن. وكان بسببه ما كان على أهل السنة من الحبس والضرب والقتل وغير ذلك. (1)
وقد أخذ الكثيرون بالرخصة نتيجة الإكراه على ذلك خشية العقوبة المنتظرة ولكن الإمام أحمد -رحمه الله- جهر عند امتحانه بمعتقد أهل السنة في ذلك. وتمسك بمنهج أهل السنة في الاستدلال بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة مما كان له أثره في حفظ منهج أهل السنة في مواجهة خصومه من المعتزلة. فالتفت حوله الأمة من جديد لتحافظ على عقيدتها ومنهجها القويم. ولذلك سمي رحمه الله (إمام أهل السنة والجماعة) .
وقد حبس أحمد وجلد أيام المأمون ثم المعتصم ثم الواثق. فلما تولى المتوكل الخلافة كشف عن الناس الغمة وأعاد الحق إلى نصابه، وأخرج الإمام أحمد رحمه الله من الحبس.
إن دفاع الإمام أحمد المجيد في المشكلة يمكن أن يعد برهاناً ساطعاً - لا على موقفه السلفي الواضح واتخاذ السنن والآثار قدوة ومنهجاً في العلم. وأسلوباً في العمل فحسب- وإنما فضلاً عن هذا أيضاً فقد دلل بهذا الموقف على الاتجاه العام لأهل السنة والجماعة في محافظتهم على التراث ودقتهم المنهجية في تلقيه وإظهاره: يقول الإمام: "لست أتكلم إلا ما كان من كتاب أو سنة أو عن الصحابة
__________
(1) - يراجع في ذلك: ابن كثير في البداية والنهاية: جـ 10/331، معارج القبول جـ 1/230.
(*) جهم بن صفوان: أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع رأس الجهمية لم يرو شيئا، ولكنه زرع شرا عظيما. قتل سنة 128 هـ لخروجه على أمراء خراسان.
(*) الخليفة المأمون: من الخلفاء العباسيين من أبناء هارون الرشيد، وأعلمهم بعلم الكلام والفقه، احتضن علماء المعتزلة وفي عصره ترجمت الكتب اليونانية واختلط علم الكلام عند المعتزلة بمصطلحات الفلسفة اليونانية توفي سنة 218 هـ تولى الخلافة في عام 97هـ.