يقول طاش كبرى زاده: "وبالجملة يشترط في الكلام أن يكون القصد فيه تأييد الشرع بالعقل وأن تكون العقيدة مما وردت في الكتاب والسنة. ولو فات أحد هذين الشرطين لا يسمى كاملاً أصلاً ". (1) فيزعم الأشاعرة أن علم الكلام محمود إن أريد به نصرة عقائد السلف. وأنه بهذا المنهج يكون الرد على المخالفين.
أما إن استعمل علم الكلام في مخالفة الكتاب والسنة على طريقة المعتزلة والمتكلمين واتباع الفلاسفة فهو مذموم. ويرى الأشاعرة أن أهل السنة كالحلقات الدائرية يتصل بعضها ببعض وتتداخل كل دائرة منها في الأخرى. فالدائرة الأولى تضم الصحابة والتابعين أي السلف والدائرة الثانية تضم أهل السنة والجماعة الذين اتخذوا السلف قدوة وأصلاً لهم، والدائرة الثالثة هي دائرة شيوخ الأشاعرة. (2) ويرى الأشاعرة أن طريقة السلف في الاقتصار على الكتاب والسنة أسلم وأحوط ولكن طريقة الأشاعرة في الرد على المخالفين لأهل السنة بعلم الكلام أعلم وأحكم، (3) وأن الأشاعرة بذلك امتدادٌ للسلف وأطلقوا على أنفسهم لقب (الخلف) (4) ، وأنهم جمعوا بين العقل والنقل معا.
ولكن نظريات الأشاعرة الكلامية لم تلق قبولاً لدى المتمسكين بمنهج الأوائل أتباع الإمام أحمد وأهل الحديث، والذين أطلق عليهم في فترة من الفترات اسم (الحنابلة) لتمسكهم بعقيدة أهل السنة والجماعة التي عليها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
__________
(1) - مفتاح السعادة: أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبرى زاده (962هـ- 1554م) ص20.
(2) - راجع في ذلك: نظام الخلافة: ص 383 – 384
(3) - وسيأتي مزيد بيان ذلك والرد عليه وبيان خطأ قائله.
(4) - يقول د. عبد الرحمن بن زيد الزنيدي: "أن اعتبار السلفية ظاهرة عباسية نشأت نتيجة عجز العامة (الجمهور) عن مواكبة الفكر العقلاني لدى الفلاسفة والمتكلمين الذي شاع في العصر العباسي، ووقوف مداركهم عند النصوص الشرعية الواضحة البسيطة - حيث انبعثت من الجمهور قياداته التي تتخذ من العودة إلى النصوص وفهمها من خلال آثار الصحابة موقفاً مضاداً للتيارات العقلانية - هذا التصور وهو أن السلفية إنما حدثت في ظل دولة بني العباس مضادة للتيارات الفكرية الجديدة غير صحيح، لأن السلفية بصفتها منهجاً لفهم الإسلام والتزامه تمثلت في جيل الصحابة بصورتها الأنقى، ولهذا كانت الدعوة إلى السلفية دعوة إلى الرجوع لذلك المنهج. ولأن الدعوة إلى السلفية، أي إلى منهج صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادى بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونادى بها علماء الصحابة أنفسهم وتابعوهم قبل العصر العباسي".
السلفية وقضايا العصر ص23. وانظر منهاج السنة النبوية لابن تيمية تحقيق محمد رشاد سالم جـ2 / 482، 486.