كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي

سلفية المواجهة لعقبات الدعوة إلى المنهج السلفي تواجه باستعمال الوسائل والأساليب العصرية في الدعوة، وذلك لا ينافي أصالة الدعوة. فإن الأصالة والمعاصرة من الكلمات التي كثر الحديث عنها، والدعوة إليها في العصر الحاضر وما من شيء أخطر على الدعوة من أن تلتبس سماتها الأساسية أو يلابس خصائصها غموض أو إضطراب.
ويقصد بالأصالة: المحافظة على جوهر الدعوة بإستنادها إلى الأصول والأدلة الشرعية والتمسك بمبادئها الأساسية.
والمعاصرة هي: تكافؤ الدعوة مع العصر الذي تعيش فيه بحيث تعالج واقعه وتلبي متطلباته.
ومن هذا التعريف يتضح أن الدعوة بالأصالة وصف صالح لكل زمان ومكان (1). ووصف الدعوة بالمعاصرة أيضاً صالح لكل زمان ومكان، وليس وصفاً خاصاً بالعصر الحديث كما قد يتوهم، فدعوة الناس بلسانهم بلغتهم معاصرة، واختيار الأسلوب الدعوي المناسب لموقف من المواقف معاصرة، واستخدام الوسائل المتوفرة في عصر من العصور لنشر الدعوة معاصرة وسيرته ص في تمسكه بأصالة دعوته لا يحيد عنها، ولا يقبل مساومة فيها، وفي ذات الوقت معالجته واقع عصره، وتخيره الأساليب النافعة لدعوته، واستخدام جميع أنواع الوسائل المشروعة المتوفرة في عصره غير زاهد بشيء منها أمر لا يخفى على من اطلع على سنته - صلى الله عليه وسلم -، وقد سار الصحابة والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم على نهجه (2) - (3).
__________
(1) - الأصولية في المفهوم الغربي الأوروبي تطلق على الذين يعتقدون قدسية الإنجيل ويتمسكون بحروفه ويسعون لإقامة الحياة على تعاليمه، ونظرة الغرب لهؤلاء الأصوليين منهم نظرة ازدراء، ويصفونهم بالرجعية. إذ إن العلمانية هي المذهب السائد في أوروبا بعد الصراع في القرون الوسطى بين العلم والنصرانية المحرفة والذي انتهى بعزل سلطة الكنيسة عن المجتمع وحصرها بين جدران الكنيسة، وبالتالي فصل الدنيا عن الدين.
وإطلاق هذا الوصف بهذا المفهوم الغربي على الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي خطأ شنيع، إذ ليس بين الإسلام والعلم عداء، والإسلام بتشريعاته دين ودولة، علم وإيمان، لإصلاح الدنيا بالدين، والدعوة إلى الرجوع إليه مصلحون لا مفسدون. فإن الله تعالى أنزل كتابه القرآن وحفظه من التحريف والضياع ليكون نبراساً يهدي البشرية. وقد قامت على نظمه وتعاليمه حضارة إسلامية رائدة، ودولة متسعة الأرجاء شرقاً وغرباً، دامت لها السيادة في الأرض أكثر من ألف عام. ولم تضعف وتفقد مكانتها إلا بابتعاد المسلمين أنفسهم عن الإسلام وهديه.
(2) - مثال ذلك في خلافة أبي بكر: التشاور في جمع القرآن والاتفاق على جمعه، والتشاور في إنفاذ جيش أسامة خشية على المدينة من خطر المرتدين.
(3) - تحصيل الزاد: ص134.

الصفحة 233